الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

الرواية تحت درجة خمسين مئوية

القائمة الطويلة للمان بوكر لعام 2019، ضمت 13 رواية، الأغلبية منها من المملكة المتحدة موطن الجائزة، ورواية واحدة من أمريكا، وأخرى من المكسيك، وروايتان من نيجيريا!.. غابت أوربا ومعظم آسيا، أو كلها إذا اعتبرنا سلمان رشدي وأليف شافاق بريطانيين يكتبان بالإنكليزية.

وإلى جانب هذين الكاتبين المعروفين عالمياً، ترشحت رواية الوَصايا للكندية «مارغريت آتوود» التي أنهت قبل أيام مشاهدة مسلسل (أليس غريس) على شبكة نتفلكس، وهو عمل رائع ينتمي إلى عالم آتوود الذي يجمع التاريخي مع الغرائبي والسحري.

هذه الهيمنة البريطانية على القائمة تطرح مجموعة من الأسئلة المهمة، واحد منها هو علاقة الرواية بالجغرافيا المناخية وعلاقتها بالمدينة، فنحن نعرف أن الرواية بالمعنى الفني الحديث لها ولدت في أوربا، وتحديداً بإسبانيا، ثم ازدهرت في فرنسا وبريطانيا ليكتمل نضجها مع الأدب الروسي.


معظم هذا حصل مع ظهور عصر المدينة الجديدة، التي جاءت بها الثورة الصناعية، لذلك كانت قسوة الحياة المدنية والمناخ الأوربي المُحّمل بالشتاءات الطويلة والثلج والأمطار، يمنحان الأعمال قوة درامية كثيفة، كذلك الغربة التي يعيشها الإنسان في المدن الكبيرة تجعله بطل اليوميات الاعتيادية المحملة بالمفاجآت وتشابك العلاقات اللانهائية.


ولهذا يكون الكاتب الأوربي يعمل خلف مشهد من الطبيعة القاسية والمدينة بكل سحرها وغموضها، فلديه المترو، ووسائط النقل الجماعية الأخرى، والكرنفالات العامة، والحياة السياسية المستقرة، والصحافة المستقلة، ودور النشر الخبيرة، وثقافة تسمح له بالحديث عن الجانب المظلم من الحياة أو الجانب السري منها دون تردد.

هناك فرق نفسي بين أن نكتب: وكانت درجة الحرارة خمسين مئوية، وبين أن نكتب: وهطل الثلج لمدة خمسة أيام متتالية، فالجملة الثانية تحمل معها سحر الطبيعة وغموضها الأدبي، بينما الأولى تبدو مسطحة خالية من التأثير الأدبي الذي ينقل القارئ إلى المتخيل، وهذا إحساسي الشخصي ولا أدري كم هو صحيح، وحتى أليف شافاق في (قواعد العشق الأربعون)، لم تستطع تخيل بغداد دون أن تغرقها بالثلج وربما حدث في لاوعيها الروائي.

إن الرواية العربية تكافح ضد الطبيعة، والثقافة، والممنوعات، والمحظورات، وأحياناً ضد قارئ لا يغفر للمؤلف سلوك أبطاله الخياليين.

أخيراً بين رشدي وآتوود وشافاق، أتمنى أن تفوز الأخيرة بالجائزة، وإلا فواحدة من الروايتين النيجيريتين، لنتعرف من خلالهما على رواية من المدن التي لا يهطل عليها الثلج لمدة خمسة أيام متتالية.