الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

النهضة.. فرضيات الهيمنة والتآكل

النهضة.. فرضيات الهيمنة والتآكل

عبدالجليل معالي

بعد أيام قليلة من وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وفي غمرة الترشحات للانتخابات التشريعية المُزمع تنظيمها في السادس من أكتوبر المقبل، أودعَ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الاثنين الماضي ملف ترشحه للانتخابات التشريعية مطلقاً بذلك رسائل سياسية كثيرة.

في ترشح الغنوشي للانتخابات التشريعية على رأس قائمة الحركة في دائرة تونس1، خيار سياسي بالغ الدقة من الحركة ورئيسها، ففي الوقت الذي يهرول فيه أغلب القيادات السياسية نحو الذهاب بالرهان صوب الانتخابات الرئاسية، تنزل النهضة بثقلها السياسي في التشريعية، ولم تحسم بعد مرشحها للرئاسيات.

قرار ترشيح الغنوشي للبرلمان خطوة باتجاه حصوله على منصب رئيس البرلمان، وهو أعلى منصبٍ في الدولة، باعتبار أنّ تونس تسير وفق نظام شبه برلماني.


في هذا الخيار الدقيق وعي نهضوي بأن السلطة الحقيقية وفق النظام السياسي التونسي تتمركز في البرلمان.


الرهان عززه الغنوشي بتصريحات أطلقها عقب إيداع ملفه بمقر الهيئة الفرعية للانتخابات، مفادها: «أنه يهدف من خلال ترشحه للانتخابات التشريعية القادمة توجيه رسالة إعادة الاعتبار للبرلمان وإيلائه أهميته الحقيقية».

إن تركيز حركة النهضة على البرلمان بالتزامن مع التريث في اختيار المرشح للرئاسيات مع فرضية الرهان على مرشح من خارج الحركة، تضاف إلى ذلك وقائع الانقسام التي تعيشها أغلب الأحزاب، كلها مشاهد دالة على أن النهضة بصدد الإمساك بتلابيب المشهد السياسي وبمفاصل البلاد برمتها.

وفي خلفية الرهانات النهضوية، تقصّد سياسي يهدفُ إلى تأميم الأرباح وخوصصة الخسائر، بمعنى أنها تريد أن تُهيمن على البرلمان بالوصول إلى أغلبية تضمن لها تمرير القوانين والتشريعات، مقابل «التبرع» والزهد في المواقع التنفيذية، التي تتيح لها التبرؤ من المسؤولية السياسية عند الأزمات.

النهضة فهمت أن تركيزها يجب أن ينصبّ على مواقع السلطة الحقيقية؛ البرلمان وبقية المؤسسات الدستورية، مقابل وضع بقية المواقع والسلطات في مدار التوافقات والتحالفات، أو التنصل من المسؤولية إن حدث ما يحتّم ذاك.

وتقرأ النهضة مفاصل المشهد السياسي التونسي الراهن والقادم، وتحدد قواعد اللعبة السياسية بما يضمن مصالحها في المقام الأول.. حقائق تتأكد بجرد الخيارات النهضوية في السنوات الأخيرة، وهي خيارات تنهل من مصادر متباينة؛ تقية إخوانية وصبر سياسي وانحناء عند العواصف وانضباط القواعد، كلها مناهل جعلت الحركة تعرف التركيز على نقاط ضعف الخصوم. والثابت أن لكل هذه الخيارات السياسية خسائر فادحة ومقبلة لن تقوى الحركة على تجنبها، وهي مترتبة على أن مآلات الحكم تتضمن أيضاً تآكل الحركة ومؤسساتها كما ترهُل صورة الغنوشي.