الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

زنزانة ليبية.. سِيرٌ ونصوص إبداعية

زنزانة ليبية.. سِيرٌ ونصوص إبداعية

خلود الفلاح

في كتابه «سِجْنيّات»، لا يُرهق القاص الليبي عمر الككلي القارئ بتاريخه الشخصي داخل زنزانةٍ قضى بين جدرانها ما يقارب عشر سنوات، لكنه يثير فضوله لمتابعة صفحات تروي تجارب إنسانيةٍ عدة لرفاق تلك الزنزانة.

يتألف «سِجْنيّات» من 48 نصاً تنتمي إلى فنون إبداعية عدّة يمكن تسميتها سيرة ذاتية، أو يوميات، أو حتى قصصاً، لكنّ عمر الككلي وصفها في مقدمة كتابه بأنها نصوص سردية، لُحمتها جماليات الكتابة القصصية، وسُداها ذكريات وأخبار مثقلة ببشاعة الواقع ومتوقدة في المحنة ذاتها بإرادة مقاومة هذه البشاعة.

كيف يمكن لإنسان أن يقضي 24 ساعة يومياً داخل زنزانة بشباك واحد في السقف، وأسرّة حديد وحمام مشترك مع مئات الأشخاص بأمزجتهم المختلفة وأفكارهم المتعددة؟.. إن لهذا السجين رأياً وللآخر رأياً مختلفاً، حالات إنسانية عدة يقدمها الكاتب فتدفع القارئ أحياناً إلى الضحك، حين يصف كيف تفرض عليك الحياة بإمكاناتها البسيطة جداً اختراع مكيفٍ متنقل.


ويصف الككلي في يومية (رقصة تجديد الهواء): «في الصيف حين يأسن الهواء في الزنزانة، ممتلئاً بروائح الأنفاس والعرق، ينهض اثنان يمسكان فيما بينهما ملاءة بيضاء، يأخذان بهزها كما لو كانا ينفضان ما علق بها من غبار»، فيما كاتبنا مستمتعٌ بلطافة ما تحدثه رفرفتها من نسيم.


في هذا الكتاب يقتنص الكاتب الوقائع الهامشية من حياة السجن، فتختلط الكوميديا بالتراجيديا عبر سخرية موجعة داخل أسوار سجن بوسليم بمدينة طرابلس، في تجربة امتدت عشر سنوات في ثمانينات القرن الـ 20 وقد كتب عنها بعد أكثر من 20 عاماً.

إن أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ أنه سيقرأ كتاباً عن عذابات وجحيم السجون، ليكتشف أنها كتابة مغايرة لزنازين لا تشهد القسوة والآلام فقط، وإنما تجسد عالماً آخر يصنعه السجين كنوع من المقاومة للموت والحبس الانفرادي.

السجن في هذا الكتاب لحظة مستعادة وليست لحظة معيشة، ونصوصه السردية لا تندرج في كتابة السجن، بل هي كتابة عن السجن بعد انقضاء محنته، ومن هنا تؤدي الذاكرة فيها دوراً جوهرياً، بل أكاد أقول إنها تمثل في هذا الكتاب البطل الحقيقي أو الموازي، فما الذي يتحتّم على السجين فعله لحماية كيانه، وهنا يكون الجواب: لا ينبغي الصدام مع حالة السجن، لأنّ ذلك يؤدي إما إلى الجنون وإما إلى الانتحار.