إيران.. البناء السياسي الغريب!

بعد أربعة عقود من الكرّ والفرّ للنظام الإيراني تحت مسمى الثورة الإيرانية، يبدو أن هناك منعطفاً مهماً لا بد من التوقف عنده لتقييم الحالة الإيرانية بعيداً عن الزخم الإعلامي الذي يمارس التغطية المتعمدة على الواقع الفعلي للدول، فإيران واحدة من الدول التي تعاني فعلياً من بنائها السياسي الغريب ليس في المنطقة لوحدها ولكن في العالم أيضاً.فهي دولة ثيوقراطية بالدرجة الأولى ونظامها الانتخابي والدستورى شبه مغلق، يتحكم فيه الحرس الثوري ومجموعة من الشخصيات السياسية، وهذا ما يمكنه أن يؤثر على المستقبل الإيراني بأكمله، هي حقائق ليس لها علاقة بالقوة العسكرية أو الصراع الإعلامي ولكنها مؤثرات طبيعية يمكن قراءة مؤشراتها من الواقع القائم ويمكن فهم هذه الحقائق.

أولاً: النظام السياسي الإيراني متعدد الأقطاب، مثلث القوة السياسية في النظام الإيراني يتكون من المرشد الأعلى، وقاسم سليماني، ووزير الخارجية، وقائد الحرس الثوري، هذه المنظومة من القوى لا يحكمها دستور وفق مسار منظم، فهي تمارس أدوراها خارج المنظومة السياسية للحكومة الإيرانية التي يديرها روحاني، وتحكمها القوة المتداولة بين تلك الأطراف بحسب مهامها، وهذا ما يجعل إمكانية تصادمها كبيراً مع تنامي الأزمات السياسية كما يحدث الآن مع أزمة مضيق هرمز.

ثانياً: الهوية الإيرانية خلال أربعة عقود مضت عانت من تنامي معايير جديدة فيها، تمثلت في تقدم في موقع الأيديولوجيا المذهبية على المكانة العرقية الفارسية، وبذل النظام الإيراني وتحديداً الحرس الثوري والمرشد جهوداً كبيرة من أجل دمج الأيديولوجيا الدينية مع الأبعاد الحضارية للمجتمع الفارسي، ولكن ذلك لم ينجح ويبدو واضحاً للجميع أن الأيديولوجيا المذهبية تنفرد بالهوية الشعبية على حساب الهوية الحضارية الفارسية وتقودها إلى الصدام مع دول الإقليم المحيطة.

ثالثاً: تعقيدات المجتمع والتفاوت الطبقي، عبر 40 عاماً من الأفكار الثورية المتجهة نحو الخارج، ومذهب سياسي هش يعتقد أنه يمكنه بناء دولة إيرانية توسعية في القرن الـ 20 عندما بدأت الثورة في المنطقة تحت غطاء أيديولوجي، إلاّ أنه كرس تعقيدات اجتماعية، وبدأ الإيرانيون في مواجهة أزمات اقتصادية تتزايد بمتوالية هندسية كرّست الطبقية فانهارت الطبقة الوسطى، وتنامى عدد الأسر التي تُسحق من هذه الطبقة بشكل سريع متسارع.