الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

«الملك لير».. ثنائية العقوق والحقوق

لا تزال ليالي قاهرة المعّز تصدح بتألق مسارحها العتيقة والحديثة كوجهة ترفيهية في عطلة العيد، حيث كانت وجهتي لأحد المسارح الجديدة التي أعادت إحياء صناعة المسرح الجماهيري.. هناك كان لقائي بعد 17عاماً مع العرض المبهر للفنان المبدع يحيى الفخراني في إصدار متفرّد للرائعة الشكسبيرية «الملك لير» (1603م-1606م)، إحدى أشهر الأعمال الإنسانية في التراجيدية الشكسبيرية ضمن الروائع الأخرى: هامليت، عطيل، ماكبث.

«ليس أشد إيلاماً من ناب حيَّة رقطاء، غير ابن جحود!».. يكاد القلب ينفطر وتستحضر الذاكرة كل أنواع العقوق الإنساني حين تسمعها من الملك المكلوم والموجوع بعقوق بناته.

شاهدت هذه المسرحية على مسارح لندن التليدة عدة مرات، لكن تبقى للنسخة العربية نكهتها ومذاقها الخاص.


تتلخص قصة المسرحية في قرار جنوني للملك لير بتوزيع مملكته بين بناته الثلاث بناءً على من تمدحه بحبها أكثر، فكان أن تملقته البنتان الكبرى والوسطى، وصدَقته البنت الصغرى بأنها تحبه كما يجب أن تحب البنتُ أباها، لكنها افتقدت قوة المنطق لإقناع أبيها بمبتغاها، فكان أن حرمها من الميراث، وقسم مملكته بين أختيها، ليبدأ الصراع بين الخير والشر، ولتبدأ مأساة الملك بين الجحود والعقوق، حيث ينتهي مطروداً هائماً، تشق صرخاته الراعدة البريَّة، وتفشل محاولة ابنته الصغرى في استرجاع ملكه لتموت مقتولة بيد أختها، ويموت الملك لير مقهوراً على عرشه وابنته.


أصرَّ شكسبير على هذه النهاية التراجيدية كي يبقى أثرها في نفس المتلقي، وليؤكد أن تفريط الملك في حقوقه كان سبباً في عقوق بناته ومصيره المأساوي.

«الملك لير».. قصة الإنسان على مرّ الزمان، حين يظن واهماً أن منظوره للعدل والإنصاف يتطابق مع ما يبديه الآخرون من محبة وولاء بجميل اللسان دون تصديق بالجَنان، فثنائية العقوق والحقوق متلازمة في واقع حياتنا، تؤكدها إشكاليات وصراعات مجتمعية عديدة، حيث تكتظ المؤسسات الصحية ودُور كبار السن والمحاكم في بعض المجتمعات، بمن يسردون قصصاً أكثر مأساوية.

يقف المشاهد لمسرحية «الملك لير» منبهراً بأسلوبها البارع في التعبير عن النفس البشرية وصراعها الحياتي بين الخير والشر عبر كل الأزمنة، فعبقريته، شكسبير، أنه خلَّف أعمالاً تحمل بذور الحداثة، وتلمس منحنيات النفس البشرية بكل ما فيها من تضّاد وتناقض، فاستحقت العالمية.