الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المدينة المُزحة..

إن أول ما تبادر إلى ذهني فور أن بدأتُ بتأمل مدينة موسكو، هو أن ما يليق بها هو اسم «العاصمة المزحة» .. مزحة كبيرة! كأن كل شيء بها يوحي بذلك، فالسيارة التي أقلتني إلى الفندق كانت مرسيدس «الألمانية»!

قبل أن تباغتني واجهات الإعلانات الكبرى على الطريق السريع، وكلها تخبرك بأن ما سيجعلك أفضل وأكمل وأجمل من الداخل والخارج هو الاستهلاك.. الكثير منه.

لاحقاً، وأنا أُمعن في تأمل لافتات المطاعم والمقاهي الكبرى، وجدتني أتفاعل بصرياً وأول ما تفاعلت مع « ماكدونالدز برغر كينغ» و«ستار بكس».


كنت أفكر بالشاي الذي لم أجد أي مواضع تشير لإعداده، ولعلي تأثرت بالسماورات المذكورة بكثرة في «جنتلمان في موسكو»، كونها كانت آخر ما قرأت.. القهوة «الأمريكية» مرة أخرى في كل مكان تليها الإيطالية.. حضر الشاي بخجل في ردهة الفندق، باهتاً دون سكر.. فابتسمت مرة أخرى.


في المتروبول مسرح أحداث رواية جنتلمان في موسكو، كان الأمر تماماً كما أوجزه أمور تاولز: «المتربول اختزال للتحولات الكبرى التي تحدث في الخارج، ولعلها المفارقة التي خرج بها الكونت أخيراً».. أما بالعودة للمزحة، فإن المثير للضحك حقيقة هو موقع ضريح لينين الذي يقع في الساحة الحمراء التي تختزل اليوم جميع الماركات العالمية الكبرى، والتي يجول فيها الشباب والسياح بصخب مرح، صخب يمضونه فارغاً من أي هدف يذكر، سوى الحياة الهينة وهو هناك في ضريحه جامداً، مستكيناً أمام التحولات الكبرى التي أسس لرفضها.

أتأمل ما يزيد عن السبعة عقود بقليل من الرفض، وكيف أن فكرة خلق هوية صلبة مقاومة هو في حقيقة الأمر تدمير منهجي لها.

فهل نقاوم، هل نسخر، لا أحد له أن يجزم، لكن موسكو تحضر اليوم كمدينة تصر على مواصلة الحياة، موسكو التي لم تعد منيعة بالمعنى الاعتباطي محصنة ضد الموت، لأنها تقبض على التحولات وتمضي معها. وتجرب.. لترى إلى أين سيصل بها الأمر.