الأربعاء - 01 مايو 2024
الأربعاء - 01 مايو 2024

النهضة.. الانتخابات وترنّح الأيديولوجيا

لئن لم تفرج الانتخابات التونسية بعد عن كل أسرارها، إلا أن نتائجها الأولية قدمت جملة من الدروس والاستنتاجات، لعل أهمها: أن الناخب التونسي عاقب كل الطبقة السياسية القائمة، حكما ومعارضة، غير أن الخاسر الأكبر في هذا المفصل الأولي من الانتخابات، هي: حركة النهضة، حيث لم تقتصر خدوشها على ما أفرجت عنه صناديق الاقتراع، بل امتدت شظايا الفشل على أكثر من صعيد.

«أطلب من الأستاذ راشد الغنوشي اعتزال السياسة وأن يلزم بيته ومحرابه».. كان هذا ما ورد في رسالة علنية لزبير الشهودي، المدير السابق لمكتب راشد الغنوشي وأحد قياديي الحركة، واصطف معه في هذا الموقف محمد بن سالم الوزير السابق في حكومة الترويكا والقيادي في الحركة، حين أعلن في الأسبوع نفسه عن تبرّمه من هيمنة راشد الغنوشي على إرادة النهضة.

قبل ذلك حدثت وقائع كثيرة من نفس الجنس، كلها دالة على منبع الاحتجاج على غياب الديمقراطية، خرج حمادي الجبالي وانسلّ رياض الشعيبي وتبرم عبد اللطيف المكي، فضلا عن عشرات الأسماء التي ما زالت تنشط في الحركة وتعبر عن تبرمها من الانحرافات.


واضح أن جراح النهضة ليست مقتصرة على اللحظة الانتخابية، وليست قاصرة على تبرم الأنصار والقيادات، من هيمنة خط الشيخ على خط الحركة، بل تمتد أيضا إلى ما يتصل بترنح الحركة في استراتيجياتها السياسية ورؤاها الأيديولوجية.


العقل الراسم لمسار الحركة طيلة هذه السنوات الأخيرة كان يواظب على إنتاج «الخيانات» في عُرف الأنصار والمتعاطفين، وكان يداوم على تقديم «المفاجآت» في تقدير الخصوم وشركاء المشهد.

لقد جاء الغنوشي إلى تونس على صهوة الثورة التونسية، فقدم خطابا يثير حماسة الأنصار وتستسيغه التيارات السلفية المتطرفة، لكن عدم القدرة على إنتاج بدائل اقتصادية وسياسية اضطرت الغنوشي والحركة إلى تقديم تنازلات لا ترضي الخصوم ولا تلقى هوى عند الأنصار.

خسرت النهضة الانتخابات الرئاسية، وتعالت أصوات الغضب لدى أنصارها وقياداتها، تبعا لنقاشات تقييم الخسارة وما حصل قبلها من تنازلات عُدت خيانة للخط الإسلامي، ومراجعة أرقام النهضة خلال مسلسل الانتخابات كافية للتعرف على نسق الانحدار، وما يعزز التخوفات النهضوية من خسارة مقبلة في الانتخابات التشريعية، تكاثر الأسماء والتيارات التي تأكل من الخزان الانتخابي الإسلامي للنهضة.

ستعود النهضة حزبا عاديا أقرب إلى المعارضة، لأنها لا تملك برامج حقيقية تقدمها للبلاد والعباد، ولا تمتلك القدرة على الوفاء لـ«إسلاميتها» تجاه قواعدها وأنصارها، ولم تحقق ما يطمئن خصومها إلى أنها بارحت موقع الجماعة واستحالت حزبا حقيقا.