الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

شقاق ونفاق ولا ضوء في نهاية الأنفاق!

شقاق ونفاق ولا ضوء في نهاية الأنفاق!

محمد أبو كريشة

آفة العرب التطرف والغلو والتعصب واحتكار الحقيقة، وعندما يرى كل منا أن الحق عنده وحده نكون جميعاً على باطل، والفضيلة دائماً تتوسط رذيلتين وهذه المساحة الوسطية خالية من العرب تماماً، فالشجاعة في الوسط بين الجبن والتهور، والكرم بين الشح والسفه، والصراحة بين الجبن والوقاحة.

إن المبالغة في النفي إثبات، والغلو في الحب كراهة، والمبالغة في الحلف كذب، والمشهد العربي كله بإعلامه وسياسته واقتصاده، أو قل بمعنى أدق أن الثقافة العربية هي ثقافة الأبيض والأسود، ولا توجد ألوان أخرى، والسلام خيار استراتيجي حتى صدق في العرب قول القائل: «العرب قوم لا أمان لهم ولا خوف منهم»، وصدق أكثر قول الصديق أبي بكر رضي الله عنه: «العرب قوم فيهم غرة»، والغرة أي الغفلة، فهم يثقون بالنصر تطرفاً وغلواً وغروراً وتأخذهم النشوة والغفلة فتباغتهم الهزيمة، هم يحرقون مراكب العودة، سواء العودة والرجوع عن الغي أو العودة والتراجع في الرأي الذي يثبت خطؤه.

وقد رفض أحد الخلفاء وأظنه معاوية أو أبا جعفر المنصور مشورة جلسائه، بتعيين أحد المشهود لهم بالعزم والقوة قائداً لحملة عسكرية ضد العدو!


فسأله الجلساء: لمَ رفضت يا أمير المؤمنين رغم إجماعنا عليه؟ فقال مقولة عاقل حكيم: لأنه يستهين بالعدو ويتعالى عليه، ولا يرى سوى أنه منتصر لا محالة، ولا يحسب حساباً لخيارات أخرى.


وكل من دخل معركة أو حتى مباراة في كرة القدم مستهيناً بخصمه، أو مستضعفاً إياه فسيلقى الهزيمة من أضعف الخصوم، ومن دخل أمراً وهو على يقين بأنه سيحسمه في سويعات، فلن يحسمه أبداً.

وهذه رذيلة عربية لا يبدو في الأفق خلاص منها، لذلك لا نهاية في هذا الأفق لحروب وصراعات العرب، وستبقى كل الملفات مفتوحة لأن احتكار الحقيقة آفتنا جميعاً.

وكثرت جداً الأنفاق العربية المظلمة، وقد كان الدم العربي في الماضي البعيد والقريب رخيصاً، أما الآن فصار بلا ثمن، والقتل في أمة العرب باسم الله أو باسم الوطن وباسم العدل وكلها لافتات كاذبة ومزيفة، وكل كلام العرب الآن حق يراد به باطل، لأن العقل العربي عاطل، لذلك لا أرى سوى شقاقاً ونفاقاً، ولا ضوء في نهاية الأنفاق!