الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

تونس.. الخيارات المرة

تستعد تونس لانتخاب رئيسها، في ظروف استثنائية قلما تحدث في البلاد وربما في العالم، فالدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، التي لم يعرف بعد تاريخها، تأخذ التونسيين إلى مراكز الاقتراع لاختيار «رئيس» أقرب إلى الضرورة منه إلى الاختيار.

سيجمع الدور الثاني للانتخابات بين مرشحين مختلفين تجمعهما الاستثنائية: مرشح مسجون على خلفية تهم بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال، ومرشح ثانٍ مقلّ في التصريحات، يتخذ مواقف قريبة من الهوى الشعبي، ومخيفة للفاعل السياسي.

ما يجمع بين المرشحين هو أنهما لم يوفرا للشعب ما يرفع قرار التصويت إلى مرتبة الاختيار.. صمت قيس سعيّد وزهده عن الكلام، كان نابعاً من موقفه من الإعلام التونسي، ويعجزُ نبيل القروي عن تقديم ما يفيد تصوره لمستقبل البلاد.


وفي صمت المُرشحَين، سادت ضبابية عززت الغموض الأصلي، حيث يفتقد سعيّد للبرامج السياسية الواضحة، وينهل من أكثر من معين؛ في الاقتصاد والسياسة والحريات، يأخذ من القانون ومن الشريعة ومن أصوات المتظاهرين.. مناهله المتعددة أرضت فئات واسعة من الشعب، رأت في تصريحاته الشحيحة استدارة بالبلاد صوب هويتها، بالقطع مع تصورات حديثة في المساواة والحريات والحقوق الفردية. وما استجلب لسعيّد فئات كثيرة من الغاضبين على منظومة الحكم، وأثار توجس قطاعات أخرى رأت في وعود أستاذ القانون الدستوري شعبويَّة تتسلل نحو قرطاج، وطعنة لكل منجز البلاد في سجلّ الحداثة.


وفي غمرة التداخل بين الارتياح لاسترجاع سعيّد لهوية البلاد، وبين التوجس من نكوصه عن حداثة تونس، يظل المرشح الثاني محروماً من تقديم ما قال سابقاً إنه ترياق لأمراض البلاد.

يعجز القروي عن الكلام من سجنه، مثلما تخلف عن حضور المناظرات التلفزيونية المباشرة في الدور الأول، كما عجز عن دفع أنصاره وحزبه إلى استدعاء «منجزه الخيري» في الأرياف، مع أن القروي يأتي، مدججاً بحزب أنشأه على عجل ليعاضد به ترشحه ويسند نفسه بكتلة برلمانية. العمل الخيري الذي استحسنه البعض، أثار استهجان غيرهم وعُدّ نوعاً من المتاجرة بآلام الفقراء.

تخوض تونس انتخاباتها الرئاسية، دون معرفة كبيرة بما يقدمه الرئيس من تصورات في حدود ما تسمح به صلاحياته القليلة، في نظام وعد سعيّد بتقويضه من الجذور.

صحيح أن الوضع التونسي يتطلب حلولاً استثنائية مبدعة وخلاقة، إلا أن ما وفرته نتائج الدور الأول، وما تعد به الانتخابات التشريعية المقبلة، لا يوفر مؤشرات مطمئنة، بأن البلاد ستغادر مربع أزمتها. وضع استثنائي وانتخابات استثنائية فرضت على الناخبين خياراً مراً بين مرشحين صامتين، الأول: سجين والثاني: تحكمه المواقف الشعبوية.