الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الموضوعية.. والحياد

كثيرٌ مِنَّا يستخدم الموضوعيَّة والحِيَاد مترادفين؛ لكنَّهما في الحقيقة مختلفان. فالموضوعيةُ نقلُ الأخبار والمعلومات بعد التَّثبُّت من صحتها بقدر الإمكان ثم عرضُ الآراء المختلفة [المتعارضة أحيانا] المرتبطة بها. فمَا من أمر من أمور الدنيا يمكن أن يكون مَحَلَّ إجماع، إلا ما قلَّ ونَدَر، والتحيُّز إلى هذا الطَّرَف أو ذاك في مسألة يدور حولها جدَلٌ يتعارض مع الموضوعية التي تُوجِب إعطاءَ الجميع فُرَصًا متساوية لتقديم آرائهم والدفاع عنها إن اقتضى الحال ذلك.

قلتُ: إن اقتضى الحالُ تحرُّزًا من الحالات التي تصبح فيها المساواة المطلقة ظلمًا للحق وتأييدًا ضمنيًّا للباطل، فهَبْ أنَّ الناس اخْتَلَفُوا في مسألة معينة، لِنَقُل «القتل الرحيم»، فهل علينا أن نَعرِض الآراءَ ونَسُوق الحُجَج بالتساوي تَوَخِّيا لموضوعية زائفة، مع عِلْمنا أنَّه مُحَرَّم في شرعنا، وأنَّ مجتمعاتنا تعارضه.

ولنفرضْ أنَّ عصابة تقطع الطريق وتُرْهِب الناس، فَهَلْ علينا أن نعرض آراءها بالحجم نفسه الذي نعطي للمجتمع ورجال القانون والأمن لنبدو كأننا موضوعيون؟.


الحق أني أميل إلى عدم إعطاء المجرمين الخطِرين على المجتمع مساحةً كبيرة لترويج أفكارهم لأن ذلك بمنزلة الدعاية لهم، ولا سيما الذين يَتَبَنَّوْنَ منهم فلسفةً إجرامية معينة (كالإرهاب)، فهؤلاءِ ربما قَصَدُوا بإجرامهم الوصولَ إلى منبر إعلامي يُوصِلُهم بالجمهور، لذلك، فإنَّ تَفْوِيت الفرصة عليهم قد يُزهِّدهم في اقتراف جرائم كاختطاف الناس مثلا.. يقول الحكيم الصيني لاو-تسي (وُلِدَ نحو 600 ق.م): «أَحْجِمْ عن تقدير البضائع النادرة ومِن ثَمَّ سترى الناس لا يسرقون».


الموضوعية إذًا هي النقل المتوازن للأخبار.. إنَّها طريقة فنية أو منهج علمي لعرض التقارير والأخبار والأفكار من حيث الشكلُ، أي أنها تُجيب عن سؤال: كيف نعرض التقارير والمعلومات لا ماذا نعرض؟.

أمَّا الحياد فيتعلق بمشاعر الإنسان وأحاسيسه وعواطفه، ولا يمكن أن يُطلَب من أحد أن يَتَخلَّص من هذه الأمور اللاإرادية؛ فالإنسان ليس آلةً صمَّاء ولا حَيوانًا أعْمى. لكن يُطلَب منه أن يُوازِن المعلومات والأخبار التي ينقل إلينا في وسائل الإعلام. فالموضوعية بهذا المعنى تتنزَّل منزلة «الحياد»، ويكفينا من الإعلامي أو الكاتب هنا أن يكون موضوعيًّا بهذا المفهوم، وألا يمزج مشاعره وآراءه بالأخبار؛ ثُمَّ عند التعبير عن رأيه يكون أمينًا وعادلا وصادقًا مع نفسه ومع قُرَّائه.