السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

مُصحِّح الصورة النمطية!

تنطوي الصورة النمطية على أحكامٍ جاهزة، لذلك؛ فإن كثيرًا من الناس، كما يقول والتر ليبمان، لا يَرَوْنَ الأشياءَ ثُمَّ يحكمون، بَلْ يحكمون ثُمَّ يَرَوْنَها، فالحكم سابقٌ لرؤية الشيء ومعايشته والصورة النمطية "خريطة ذهنية" يُرَى العالَمُ من خلالها.

تنتقل على نحو منتظمٍ من جيل إلى آخر، فتصير كأنها حقيقةٌ بيولوجية، ومن سماتها التبسيط والتعميم، وكثرة المشاركين في تَمَثُّلها وتَنَاقُلِها، والانتشار عبر وسائل الإعلام، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، والانتقال بين الأجيال المختلفة، ومقاومة التغيير والتبديل.

ويُواجِه العربُ تنميطًا زائفًا في وسائل الإعلام وفي كتب الفكر والأدب والمقرَّرات الدراسية الغربية، فصورتهم في هذه الوسائل هي أنَّهم أثرياء مسرفون في أنماط الاستهلاك المختلفة، وأنَّهم يَجنحون بطبعهم إلى العُنف والحرب؛ وأنَّهم مُتَخلِّفون رافضون للديمقراطية والحداثة، إلخ.


ونحنُ للأسف – بدلا من مواجهة هذه الصورة والسعي لتغييرها – نُعزِّزها ونُغذِّيها بما يَشهده العالَم اليوم في ساحتنا من أعمال عنف وحروب أهلية وصراعات عَبَثيَّة، ومن مظاهر التخلُّف المختلفة من أمِّية وجهل!.


الصورةُ النمطيةُ يصعب تغييرُها، لكنَّه ليسُ بمستحيل، فقبل 30 سنة ما كان أحدٌ مِنَّا يشتري سلعة صينية ولا كورية، بلْ كُنَّا نُصنِّف صناعات هاتين الدولتين بأنَّهما رديئتان، وكانت عبارة "صُنِع في الصين" أو "صُنِع في كوريا" كفيلةٌ بهروب المشتري، بلْ كانَ الناس قبل ذلك يأْنَفون شراءَ السلع اليابانية، وكانتْ عبارةُ "صُنِع في اليابان" مُرادفةً لعبارة "هذا رديء".

والآنَ تَغَيَّرت الصورة؛ لأنَّ هذه الأُمَم دَخَلَت عصر الحداثة والصناعة والعلم، فهاتف سامسونغ الآنَ يُنافِسُ آيفون؛ بلْ رُبَّما امتاز عليه؛ وهاتف هواوي الذي كُنَّا نَسْتَنكِفُ رؤيتَه أصبح الآنَ أكبرَ مُهَدِّد لصناعة الهواتف الذكية في الغرب، حتَّى أشعل شرارةَ حرب تجارية بين الصين والغرب.

والصينُ أصبحت مركزًا للصناعة العالمية التي يُطْلَق عليها "التعهيد" (outsourcing)، وعَمَّا قريب ستصبحُ القوَّةَ الاقتصادية الأولى في العالم.

فالصناعة والابتكار العلمي هما أكبرُ مُصحِّحين للصورة النمطية السلبية التي يحملها مجتمعٌ، فالإغريق – رغم نظرتهم المتعالية تجاه غيرهم – كانوا ينظرون إلى الصناعة المصرية بأنَّها أرْقَى مِن صناعتهم وكانوا يتنافسون في شراء السلع المصرية كما نَتَسَابَق نحن اليوم في شراء السلع الغربية، وإلياذةُ هوميروس تنبض بإشارات من هذا النوع، فلنُصَحِّحْ هذه الصورة بالعلم والابتكار الصناعي.