الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

دور العبادة في بلدان المسلمين

من الشبه التي يثيرها البعض موضوع بناء الكنائس والبِيَع في بلدان المسلمين، وهذه المسألة تحتاج حسن تدبر، وهدوء في التلقي.

لا يمكن أن يشك أحد في أن الشريعة الإسلامية قد كلفت المسلمينَ بتوفير الأمان للناس في أداء عبادتهم، وهذا يعني ويقتضي إبقاء الكنائس ودور العبادة على حالها، وعدم التعرض لها بهدم أو نحوه، بل وإعادتها إذا أصابها أي تخريب، وهذا يقتضي كذلك جواز السماح لهم ببناء الكنائس وأماكن العبادة عند احتياجهم إليها، ولا سيما أن القاعدة في ذلك هي «الرضا بالشيء رضًا بما يتولد عنه»، و «الإذنَ في الشيء إذنٌ في مُكَمِّلات مَقصودِه»، كما قال ذلك الإمام ابن دقيق العيد، والإمام السبكي، والإمام السيوطي، رحمهم الله تعالى جميعا.

غريب جدا أن يُقرّ الإسلام أهل الذمة على بقائهم على أديانهم والقيام بأداء شعائرهم، ثم يمنعهم من بناء دور العبادة التي يتعبدون فيها عندما يحتاجون ذلك، وغريب أيضا أن يرتضي المسلمون بمواطنة غير المسلمين، ومعايشتهم، ثم لا يقومون بتوفير دور العبادة لهم وسلامة تأديتهم لعبادتهم.


للإنصاف أذكر أن بعضا من فقهاء المسلمين قالوا بمنع إحداث الكنائس في بلاد المسلمين، ولكنها أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها، ومن ذلك مرور دول تلك الأيام بأحوال السلم والحرب، وتعرضها في وقت نشأتها للهجمات والحملات الصليبية الضارية، والتي اتخذت طابعًا دينيًّا، تولاها جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك، الأمر الذي دعا فقهاء تلك العصور إلى تبني مجموعة من الأقوال التي تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام، وتكفل رد العدوان على عقائد المسلمين ودور عبادتهم.


تغير الزمان، وتغير المكان، وتغيرت الأحوال، وتغير الناس، والأهم من هذا كله أنه لا يوجد نص شرعي صحيح صريح يمنع إحداث وبناء الكنائس ودور العبادة في البلدان المسلمة، عندما يحتاج إليها أهل الكتاب من رعايا أي من تلك البلدان، وكل الأدلة، وكل الحوادث السابقة تدل استحداث كثير من بلدان المسلمين في العهود المختلفة للكنائس والمعابد، وكل ذلك يؤكد بشكل قاطع على الاحترام الإسلامي لدور العبادة، وتقديم الرعاية والعناية والحماية لها، وهو ما لم يقم به أي دين، أو أي حضارة.