السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

البحث عن «المعنى الضائع»

في ربيع عام 1922 استدعى مارسيل بروست خادمته الوفية «سيلسته»، وقال لها بابتسامة سعيدة: «لقد كتبت كلمة النهاية وأنه بإمكاني الآن أن أموت».. وكلمة النهاية هذه وضعها الكاتب على مسودة روايته (البحث عن الزمن الضائع)، التي تعد من أهم الأعمال الأدبية في القرن العشرين، وهي في ترجمتها العربية تتألف من 7 أجزاء، وبما يتجاوز المليون وربع المليون كلمة.

عندما قررت قراءتها، كنت أعرف حق المعرفة أنني بإزاء مشروع طويل الأمد، يتطلب نوعاً من الصبر والتفرغ، فسألت نفسي: هل أنت مستعدة؟ وكان الجواب: نعم.

عالم مارسيل بروست هو عالم من الميكروسكوب، الذي يُسلط على الحياة لتبدو تفاصيلها أشد وضوحاً، حتى لكأنها (الحياة) تنفذ إلى الحواس الخمس بقوة.. تداعٍ لانهائي، واستذكارات بدت غير مترابطة، ومتابعة للشخصيات من أزمنة ليست منتظمة.. حقاً إنها رواية سوء الفهم، رواية عدم وضع القارئ في الطريق الصحيح.. إنها من نوع تلك الروايات التي لا تبحث عن أجوبة ولا تطرح مشكلة ولا تتوسل إغراء القارئ بمشاهد رومانسية أو حسية ماتعة.


إنها الحياة، والطبيعة بكل سحرها وجنونها وتقلبها وخداعها، فهذا الكم من النباتات البرية والزهور الموسمية والثمار غير الناضجة في أغصانها، يتعثر بها الباحثون عن الزمن الضائع كي لا تفلت الدقائق من بين أيديهم.


مارسيل بروست يقول الحياة نفسها بعد أن يُعلق الزمن خارج غرفته شبه المعتمة، التي قضى فيها كل تلك السنوات، لكي يضع كلمته الأخيرة، ويقول لخادمته: لقد انتهيت.

وذات مرة كتبت أمريكية في العشرينات من عمرها: «عزيزي مارسيل بروست، توقف عن حذلقتك، وعد إلى الواقع.. أخبرني فقط في سطرين ما الذي أردت قوله».

أما أنا فقد فقررت أن أقرأ المليون وربع المليون كلمة، لأنني لا أكتفي بسطرين، وأريد أن أعرف ما الذي يريد أن يقوله واحد من أهم روائيي القرن العشرين.