الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مواجهة الإرهاب في المتوسط

يبدو أن لقاءات الكواليس الخلفية للقيادات الأوروبية والأمريكية التي اجتمعت في ميونيخ لمناقشة أحوال الأمن العالمي، قد رسخت لديها أن الوضع في البحر الأبيض المتوسط يتطلب تحركاً عاجلاً، بعد أن بات الإرهاب، قاب قوسين أو أدنى، من أن يطال التراب الوطني الأوروبي.

من ميونيخ إلى بروكسل، حيث توصل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق يقضي بإطلاق مهمة بحرية جديدة في المتوسط، لمراقبة احترام حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، بشكل خاص، وفي محاولة لإعادة الانضباط الأمني إلى المياه الإقليمية.

يبدو من الواضح أن الأوروبيين قد وقر لديهم، عدم التزام أطراف إقليمية حول المتوسط بمقررات مؤتمر برلين، ولا بقرارات مجلس الأمن الداعية إلى وقف تصدير الموت المحمول، جواً وبراً وبحراً، إلى بعض الدول على شاطئ المتوسط.

لا يحتاج الأمر إلى (إنيجما) لفك الشفرات ليفهم القارئ أن المقصود هنا تركيا، التي لا تزال تقوم بإرسال الأسلحة والإرهابيين والمرتزقة إلى ليبيا، وما ورد على لسان الناطق باسم الجيش الليبي، يشي بأن البراجماتية هي الحاكمة لتطورات مواقف الاتحاد الأوروبي، بأكثر من محاولة استنقاذ ليبيا، وحجر الزاوية في التطور الأوروبي الجديد، هو قطع الطريق على وصول عناصر إرهابية إلى الدول الأوروبية القريبة، لا سيما إيطاليا، التي بدا وزير خارجيتها «لويجي دي مايو» متحمساً، بدوره، للخطة الأوروبية الجديدة، بعد أن أدركت أجهزة الأمن والاستخبارات الإيطالية أن هناك العشرات من المقاتلين السوريين، الذين قامت تركيا بنقلهم إلى ليبيا، قد توجهوا بالفعل إلى أوروبا متخذين إيطاليا كأقرب نقطة يمكن أن يصلوا إليها، من خلال الاستعانة بالمهربين وبارونات التسفير الذين ينشطون ما بين تونس وليبيا طوال العقد الأخير وبعد انفجار ما عُرف بزمن الربيع العربي.

قرار الاتحاد الأوروبي يحمل في طياته توجهاً فرنسياً إيطالياً بنوع خاص له خصوصيته عن سائر المواقف الأوروبية، ففرنسا التي حركت حاملة طائراتها شارل ديغول إلى مياه المتوسط، عازمة على رفض تصرفات تركيا، لا سيما طرح المقاصصة الذي يعتمل في ذهن أردوغان وبعيداً عن ليبيا التي لا تعنيه.. ماذا نعني بذلك؟

باختصار، غير مخل، ينظر أردوغان إلى مشهد ينابيع الغمر العظيم التي انفجرت في مياه المتوسط، حاملة سلعة الطاقة الأهم في القرن الـ21، أي الغاز، نظرة الخاسر الذي حُرمت مياهه الإقليمية من أي اكتشاف فيها، ولهذا يحاول أن يبسط نفوذه، ولو بغير وجه حق، على الغاز الكامن في المياه القبرصية القريبة من بلاده.

غير أن قبرص تتمتع بعضوية الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن أي اعتداء على وحدتها وسلامة أقاليمها البحرية والبرية، يعد في واقع الأمر اعتداء على دول الاتحاد الأوروبي قاطبة، ولهذا تحركت بالفعل بعض القطع العسكرية الأوروبية إلى المياه الإقليمية القبرصية.

أردوغان يعزف عزفاً سيئ السمعة على المتناقضات، فهو باقترابه غير الآمن من شواطئ أوروبا، يكاد يضع الأوروبيين أمام معادلة إرهابية، مفادها: اتركوا لي مياه قبرص وما فيها من الغاز من جهة، وأنا أتوقف عن تمويل ودعم الإرهاب في ليبيا من ناحية أخرى، والعكس صحيح، بمعنى أن حوض البحر الأبيض المتوسط، سيصبح لهيباً مشتعلاً، حال استمر دعمكم لقبرص.

الخلاصة.. أوروبا تتحرك، عسكرياً، للدفاع عن مصالحها، الأمر الذي يُهدد أي تحركات تركية أو قطرية في القريب العاجل، وهذا في حد ذاته تطور براجماتي، ونرجسية مستنيرة، إن جاز التعبير.