الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تهديد أيديولوجي

قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالضغط الدائم على إيران طيلة سنواته الأربع، وقامت إدارته بمحاولات تضييق عديدة، وما بين اغتيالات شملت قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، وكبير علماء البرنامج النووي محسن فخري زاده، وعقوبات شملت مؤسسات وشخصيات إيرانية بارزة، وتصريحات نالت من المرشد الأعلى ورؤيته وإدارته، تنوعت محاولات الإضعاف للنظام الإيراني.

لكن الحقيقة الصادمة وراء ذلك كله هي: أن إيران استطاعت زيادة التخصيب عن المستوى الذي سمح به الاتفاق النووي عام 2015 بنحو (12) مرة! والأسئلة التي لطالما كانت مطروحة: هل يقف الغرب حقاً ضد النظام الديني في إيران؟ وهل كان الغرب حقاً معادياً للثورة الإيرانية وحليفاً للشاه؟ وهل بذل مساعي صادقة لأجل تدمير أو إضعاف الأيديولوجيا الثورية الفوضوية في إيران؟ بعض الإجابات تذهب إلى نعم، لكن أغلب الإجابات لن تجد سوى كلمة واحدة هي: لا.

إن احتجاز بعض الغوغاء لدبلوماسيين في السفارة الأمريكية في طهران إبّان الثورة الخمينية لا يعني أن العداء كان حاصلاً، فقد جاء الخميني من الغرب، وواصلت إيران التعاون السري مع الغرب.. ولا تزال.


واليوم يطالب الغرب بالعودة إلى الاتفاق النووي من جديد، من دون الإشارة الحاسمة إلى ما إذا كان الاتفاق سيتجاهل مستجدات التخصيب هذه أم لا.


لقد دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى العودة للاتفاق، ودعت أوروبا إلى الأمر ذاته، غير أن أوروبا التي تعود للعمل الخارجي من جديد بعد فترة كمون استمرت السنوات الأربع «الترامبيّة»، ترى ضرورة العودة مع الرئيس بايدن إلى الاتفاق من جديد.

إن إيران التي ضاعفت مستوى التخصيب النووي لا تريد العودة إلى ما كان، بل تريد الاتفاق من حيث هي الآن، ثم إنها تريد رفع جميع العقوبات، الأممية والأمريكية والأوروبية، ودفع تعويضات الانسحاب من الاتفاق، فضلاً عن الاتفاق على ضمانات اقتصادية في حال الانسحاب من جديد.

كما أن إيران لا تريد العودة إلى اتفاق 2015، ولا لما كان ترامب يتحدث بشأنه عن الحصول على اتفاق أفضل للعالم، بل إنها تريد الوصول إلى اتفاق أفضل بالنسبة لها.

تمضي إيران على نهج الصين في الحصول على ما تريد قطعة قطعة، ففي عام 1989 انتهت الحرب العراقية ــ الإيرانية، وبدأ البرنامج النووي الإيراني، وفي ذلك الطريق الممتد لثلاثة عقود، هبطت وصعدت، ولكنها الآن تفاوض إدارة بايدن متصورة أنها أكثر قوة، وهي بهذه الطريقة تريد أن تصل إلى مبتغاها قبل منتصف هذا القرن.. لا سيما أن الاتفاق المزمع إعادته لا يتضمن كثيراً من الضمانات بعد خمسة عشر عاماً، فهل يدرك الغرب ذلك النهج الإيراني المتدرج؟ وماذا بعد الإدراك؟

يبقى القول: إن ما هو أخطر من التهديد النووي ـ في تقديري ـ هو التهديد الأيديولوجي.. إن أيديولوجيا «ولاية الفقيه» لا تقل خطراً عن مستوى التخصيب النووي.. التهديد الفكري أكثر خطراً.