الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التنوّع.. أساس الوحدة

منذ أربعة أيام عندما اجتمعت لآخر مرة مع صديق قبل مغادرته إلى باريس، كنت أقف على رصيف مجاور لمحطة مترو في دبي. وأمام مقهى مغلق، كان ثلاثة رجال عجائز يجلسون حول طاولة، وكانوا قد أحضروا معهم قهوتهم المحفوظة في «ترمس»، ولم ينسوا أن يحضروا معهم بعض حبات التمر، وكانوا ينتظرون أصدقاء آخرين، وبأسلوبهم المهذّب، وجهوا لي الدعوة لمشاركتهم «مجلسهم» غير الرسمي الذي لا يتجاوز عدد أفراده الستة، وفقاً للتعاليم التي تفرضها الوقاية من فيروس «كوفيد-19».

كانت أعمارهم تماثل عمري، وبمجرد أن لاحظوا أنني أتكلم العربية، بدأنا نتحاور بشيء من المتعة.. كان أحدهم يرتدي الزي الوطني العُماني، وينتسب الآخرون لمناطق مختلفة من دولة الإمارات، وعلمت أنهم جميعاً سافروا إلى البلدان العربية وأوروبا. تعلق محور الحديث بيننا حول التنوّع الثقافي الكبير الملاحظ أثناء الانتقال من بلد إلى آخر، وحتى أثناء التجول في المناطق المختلفة للبلد الواحد.

وأشاروا إلى الاختلافات الواضحة، إن لم نقل التناقضات القائمة، بالفعل بين الشعوب والأقوام التي تشكل دولاً مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، فما بالك بالدول الصغيرة مثل بلجيكا وسويسرا.


ولقد لاحظنا أن فيروس «كوفيد-19» أبرز الاختلافات الوطنية الخبيئة وراء عقود من الخطب والقرارات، التي تهدف إلى تحقيق الوحدة، ولقد أُغلقت الحدود بشكل مفاجئ بين البلدان الجارة في محاولة منها للإفلات من المرض، ومن دون أي محاولة لإظهار علامات ومؤشرات التضامن وتوحيد القوى ضد الفيروس.


وسارعت لتذكيرهم بأن الحدود الواقعة على الطريق السريع بين دبي وأبوظبي، أعيد العمل بها بطريقة مشابهة لتلك الإجراءات التي تم تطبيقها في فرنسا ولا تزال قائمة ولكنها تختلف من منطقة إلى أخرى، أو من مدينة إلى أخرى، بالرغم من الحقيقة التي تفيد بأن فرنسا كانت دولة ذات حكم مركزي منذ فترة طويلة، أما ألمانيا، فهي دولة فيدرالية، ولهذا السبب كان التصدّي للجائحة مكرّساً بشكل أساسي للأقاليم الفيدرالية وليس للسلطات المركزية.

ثم تطرقنا بالحديث إلى بناء الدول، حيث يرى العلامة ابن خلدون أنها تمثل حالة انتقال من الشعور بالروابط القبليّة أو ما يعرف بمفهوم «البداوة»، إلى التمسك بمشاعر الروابط الاجتماعية أو ما يعرف بـ«الحضارة».

وعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة الأمريكية لا تشكل كياناً «طبيعياً»، بل إن الأمم تقوم على الروابط الاجتماعية والسياسية التي تكرّس إرادة البشر للتغلب على خلافاتهم.

والتنوع اللغوي والديني واختلاف العادات والتقاليد وأساليب العيش وممارسة الحياة، هي بحد ذاتها التي تشكّل القاعدة وليس الاستثناء، إلا أن الأمة لا تقوم على المشاعر بقدر ما تقوم على أساس المصالح، وهي التي تخلق الشعور القوي بالتضامن والانتماء مع مرور الزمن.. وربما لا تزال عوامل التطرف والانحياز وانعدام الثقة قائمة ومتجذرة في النفوس، إلا أنّ التعبير عنها قد لا يتم إلا أثناء إقامة البطولات في كرة القدم بين المدن.