السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

أربعاء أمريكا الأسود

كارثة مركبة أقرب ما تكون إلى ناقوس ما قبل الانفجار أو الانهيار، ما جرى الأربعاء لم نشهد له مثيلاً لا في أمريكا ولا في الدول التي عيّرتها بالقمع أو الفوضى.. لم يكن مجرد كسر لحواجز ولا اقتحام حرمة رمز السيادة الأعلى في أمريكا، إنما كان نسفاً لقواعد الأمن والسياسة، والأهم الأخلاق.

عندما يتلاشى الفاصل بين الخير والشر، وتتداخل معايير الفصل بينهما، تكون الوصفة التاريخية التي لم تخطئ أبداً، وهي الفتنة بصرف النظر عن تسميتها فيما بعد بالإرهاب أو الثورة أو الحرب الأهلية.

كاتب هذه السطور كان حتى بث تلك المشاهد الصادمة المقلقة معنياً بالتحقيق في مزاعم تزوير الانتخابات، لكن ما صار أهم وهو التحقيق في حقيقة ما جرى في السادس من يناير قبل وخلال، وبعد الاقتحام لأنه ليس فقط إسدال للستار على آخر مسارات الخروج الآمن من أزمة واشنطن، وإنما فتح «صندوق باندورا» الأسطوري على سيل جارف من الأسئلة التي سيتحدد عليها مصير أمريكا كقائد للعالم الحر أولاً، وكقوة أعظم في المعمورة، والأهم كأمة واحدة تحفظ الجمهورية التي أرسى قواعدها الآباء المؤسسون.


«من المسؤول؟».. ربما يكون السؤال الأسهل، لكن المتفحص في الصور الثابتة والمتحركة، التي توافرت حتى الآن يدرك أن الأمر لم يبدأ بـ«تحريض» دونالد ترامب – الرئيس المنتهية ولايته – ولن ينتهي به.


«الترامبية» زائلة عاجلاً أم آجلاً، لكن حركة «أمريكا أولاً» صارت عالمية فتحت العيون على زوايا مخفية فيما يخص إدارة الحكم والاقتصاد والأمن على أي مستوى كان، وفي أي مكان، والسؤال الأكبر هو من يخدم من، قبل أن يكون من يحكم من؟

كان الأربعاء يوماً أسود وسيبقى لأنه لم ينتهِ بالمصادقة على عدّ الأصوات الانتخابية كاستحقاق دستوري، وإنما بمواجهة تفاصيل الشيطان الكامنة وراء أمن الانتخابات كعملية متكاملة لا تعني خطف الأنظار عبر التركيز على الاقتراع، ومن ثم إشغال الناس بلعبة استطلاعات الرأي واحتراف وليس بالضرورة نزاهة الصحفيين في قراءة تلك الاستطلاعات، ورصد العملية الانتخابية برمتها.

الأمن السيبراني هو التحدي الأكبر ومن ثم تأتي مسائل تتعلق بحياد الصحافة ومهنيتها، التي تبقى الحصن الحصين لأمن البلاد وأمانها، في مواجهة محترفي التضليل والتحريض من أي طرف كان وتحت أي ذريعة.

سكوت السلطات كافة وتقصيرها في مواجهة خطاب الكراهية وأعمال الشغب باسم الاحتجاج، منذ ما قبل مقتل جورج فلويد، هو الذي أوصلنا إلى ما رآه العالم «الأربعاء الأسود».