الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

النخلة شاخت

لم أكن أتصور في شبابي أن كل الأشياء تكبر وتشيخ مثل الإنسان تماماً، وأن مراحل الزمن تسري على كل المخلوقات، وأن علامات الزمن تدور على كل الوجوه، وتغزو كل الملامح.

كانت هذه الأفكار تدور في رأسي وأنا أستعيد ذكريات بعيدة، عن نخلة كانت أمام بيتنا في قريتنا.. كنت أسمع من أبي أن عمري من عمر هذه النخلة، وأننا وُلدنا معاً في عام واحد، ومنذ قال لي أبي هذه الحكاية، وأنا أتابع النخلة وهي تصعد نحو السماء، كما كنت أتابع مراحل نموها، وأنتظر الوقت الذي تضيء ثمارها سنوات عمري.

مرَّت سنوات العمر وأنا أنتظر الثمار، وطال بنا الزمن والنخلة تكبر وتمتد فروعها وتصعد للسماء ولكن بلا ثمار.. كان هناك شيء يقلقني، أن سنوات العمر تسرق النخلة وتسرق معها سنوات عمري، ويبدو أن القصة تحولت إلى هواجس تسكنني، بل إنني أصبحت أخاف أن أجد النخلة يوماً بلا ثمار.


كنت أعرف أن للنخيل معاملة خاصة، فمثلاً هي لا تحتاج للمياه كثيراً، وتتحمل حرارة الجو، ولا تحب المناطق الباردة، وتشبه الجِمَال في الصبر وتحمل الأعباء، ومن أجمل الأشياء في النخيل أنها تموت واقفة، وترفض أن تنحني للرياح والعواصف، وقليلاً ما تجد النخيل ملقاة على الأرض.


لم ترحل صورة النخلة التي شاركتني عمري من خيالي، وظللت دائماً أتصور أن أجد تحت أقدامها تلالاً من الرطب والبلح الطازج، وكنت أزور قريتنا وأسأل عن آخر أخبارها، وهل أثمرت؟

قيل لي إنها تعاني لحظات ضعف طويلة ولم تعد كما كانت، وفي السنوات الأخيرة هبطت عليها أنواع غريبة من الحشرات والزواحف، وإن لونها تغير ولم تعد خضراء كما كانت.

مُذْ عرفت هذه الأخبار عن النخلة التي شاركتني عمري، شعرت بما يسمي خيبة الأمل في البداية، ثم شعرت بالإحباط، ثم أصبح النوم عزيزاً، ثم ارتفعت دقات قلبي.

وفي الأسبوع الماضي حملت أحزاني وقررت أن أزور نخلتي العجوز، وقفت أمامها، ابتسمت وهي تعاتبني، وقالت:

لقد تأخرت كثيراً، وسرقتنا الأيام.. يا صديقي نحن جئنا في الزمن الخطأ، وعشنا في الزمن الخطأ، والأرض الخطأ، وكنا نحتاج زماناً أكثر حرية وأكثر عدلاً وإنسانية.

في حياة كل إنسان نخلة وُلدت معه، وامتدت بهما سنوات العمر، وحلما معاً، هي حلمت بالثمار، وهو حلم بالحرية، لكن سرقتهما سنوات العمر، وعواصف الأيام، وشاخَا معاً، فلا الحرية جاءت، ولا النخلة أثمرت.