الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قانون الأسرة والتنافسية: أبوظبي نموذج

قانون الأسرة والتنافسية: أبوظبي نموذج

كيف استطاع قانون «الزواج المدني» أن يرسخ صورة دولة الإمارات العربية المتحدة كوجهة مفضلة لأفضل الكوادر و العقول حول العالم؟



استطاعت إمارة أبوظبي تعزيز ريادة ومكانة دولة الإمارات العربية المتحدة في المجال التشريعي والقضائي والاقتصادي بعد إصدارها أول قانون مدني لتنظيم قضايا الأسرة للأجانب المقيمين في العاصمة.

ويعد القانون قفزة جريئة غير مسبوقة في تاريخ التشريعات العربية، حيث اعتمد على قيم ومبادئ تقدمية ومفاهيم مشتركة للبشرية جمعاء مثل التسامح وحرية الاختيار والمساواة بين المرأة والرجل وهو ما عكس الصورة الحضارية للإمارات كواحدة من أفضل دول المنطقة تقدماً وانفتاحاً.


وتبدو أهمية القانون في أنه يعالج مسائل اقتصادية مثل جذب الاستثمار الأجنبي وزيادة التنافسية من منظور مجتمعي وهو قانون الأسرة، حيث عادة ما تركز الدول فقط على التشريعات التجارية دون أن تنبته الى أهمية القوانين التي تنظم علاقات البشر مثل القوانين الجزائية وقوانين الأسرة والحريات الشخصية بشكل عام، كونها العنصر الأساسي في رسم شكل المجتمع، وفي بناء العنصر البشري المكون للشركات والاقتصاد بشكل عام.


فاستقطاب واستبقاء افضل المواهب والكوادر العالمية في جميع المجالات الطبية والعلمية والهندسية لن يتحقق بمجرد سنّ قوانين الشركات والاستثمار، ولا بإجبار الشركات على نقل موظفيها من دولة الى أخرى، وإنما لا بد أن يسبقه أولاً بناء مجتمع منفتح وليبرالي جاذب لأفضل الكفاءات البشرية والعقول المبتكرة، وذلك من خلال اصدار تشريعات مرنة تنظم علاقات الأجانب في المجتمع دون إجبارهم على الخضوع لقواعد غريبة عنهم.

فالجرّاح العالمي على سبيل المثال والبروفيسور وأفضل مهندس وأفضل طبيب للقلب وغيرهم من الكفاءات الأجنبية من خريجي الجامعات العالمية المرموقة يهمهم في المقام الأول قبل الانتقال للعمل والإقامة إلى بلد جديدة -و مهما كانت المغريات المالية- معرفة كيف ينظم القانون حياته اليومية، مثل:

ما هي القواعد التي ستفرض عليه وعلى عائلته في حالات الزواج والطلاق والإرث والنسب وغيرها من العلاقات الإنسانية؟

وكيف سينعكس القانون على أسلوب حياته اليومي؟

وإلى اي مدى تقترب هذه القواعد الى المبادئ العامة للقانون المعمول بها في الدول المتمدينة حول العالم general principles of law recognized by civilized nations؟

ولقد تفطن القانون الجديد لأهمية عدم شعور الأجنبي بالغربة التشريعية حيث أشار إلى أن من ضمن أهداف القانون «...كفالة حق الأجنبي في الخضوع لقوانين و مبادئ قانونية متعارف عليها دوليا و قريبة له من حيث الثقافة والعادات واللغة»

وتعد امارة أبوظبي سباقة في هذا الأمر حيث بادرت في عام 2018 باعتماد اللغة الانجليزية في اجراءات التقاضي امام محاكم دائرة القضاء، وذلك إيماناً بحق المتقاضي الأجنبي في الحصول على الخدمات العدلية أمام القضاء بالمساواة مع المتقاضي الناطق بالعربية، وذلك عبر إزالة الحواجز اللغوية التي تعيق بين الأجنبي وبين اللجوء للعدالة، وشمل ذلك حق الأجنبي في استلام الاعلان القضائي وكافة المستندات المتعلقة بالقضية باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى إتاحة كافة مستندات المحاكم باللغة الانجليزية مثل صحف الدعاوى والأحكام القضائية.

ومن المتوقع أن يكون القانون الجديد قاطرة للتطوير والحداثة في مجال قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الحريات الشخصية في المنطقة، وأن يمتد أثره إلى محيطه الاقليمي في سباق التشريع، خاصة في ظل التنافس الحميد بين دول المنطقة لجذب افضل الكفاءات العالمية للعمل والإقامة لديها، وهو ما يضع التشريعات العربية أمام ضرورة اللحاق بقطار التطوير من خلال تبني المرونة التشريعية اللازمة لمواكبة العصر بدلاً من الجلوس أسيرة في ظلال الماضي، فالجمود التشريعي تنعكس آثاره على الاقتصاد والثقافة والترفيه والحريات العامة والتفاصيل اليومية للمواطن والمقيم، وهو ما ينعكس على الصورة العامة للدولة في الخارج.