الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

أكاذيب صغيرة.. وكوارث كبيرة

أكاذيب صغيرة.. وكوارث كبيرة

حلمي النمنم

من السهل أن يكذب اللسان وأن يزايد ويبالغ، لذا نصح العرب الكذوب بعدة أمور، منها «التذكر»، حتى لا يقع الكاذب في تضارب الروايات والوقائع «إن كنت كذوباً فكن ذكوراً»، وحذّرت الحكمة الشعبية من الكذب وحضت على الصدق «الكذب مالوش رجلين» أي أن الكذب غير قادر على الصمود والاستمرار، فمن السهل أن ينكشف صاحبه، حتى لو طالت الأيام.

ونهت الأديان عن الكذب، بل إن رسول الله أقرَّ بأن المؤمن قد يسرق وقد يقتل، ولكنه لا يكذب أبداً؛ وقال صلى الله عليه وسلم «المؤمن لا يكذب» وكررها ثلاثاً، وقال بعض الفقهاء إن الإنسان لحظة الكذب يفقد إيمانه.

وعلى الرغم من هذا أجاز البعض للمرء أن يكذب، وتحدثوا عن «الكذب الأبيض»، ويقول بعضهم: «كذبة بيضاء ما تضرش» عن تصور أن الأكاذيب «الصغيرة» قد تحقق منافع كبيرة للبعض، ونرى ذلك في مجال العلاقات الاجتماعية والأسرية وفي محيط العمل أحياناً.


الواقع يثبت لنا أن بعض الأكاذيب الصغيرة تفتح الباب لكوارث كبيرة، من ذلك ما حدث مؤخراً من أن شاباً دون العشرين تعرف إلى سيدة تجاوزت الأربعين، وتردد عليها في منزلها سراً، ولما لاحظه بعض الجيران، أخبرته السيدة أنها «حامل» لعله يسرع بالزواج منها، ولأنه بلا خبرة، لم يدرك أنها تجاوزت سن الحمل ولم يطرأ عليها أي تغيير جسماني يشي بأنها حامل، وللتخلص من تلك الورطة قام بخنقها في السرير؛ وأثبت الطب الشرعي أنها لم تكن حاملاً، وفقدت حياتها وتحققت الفضيحة التي تخوفت منها، وفقد هو حريته بسبب تلك الكذبة «البيضاء» ترى ماذا لو كانت كذبة «سوداء»؟


الأكاذيب الصغيرة يمكن أن تكون باباً لكوارث وطنية، الرئيس صدام حسين أطلق بعض التصريحات تؤدي إلى أن لديه مشروعاً نووياً ضخماً وأسلحة من هذا النوع، وصدق العالم ذلك، لأنه كان يريد أن يصدق، واتهموا العراق، ثم قاموا باحتلاله وتدميره.

بعد الاحتلال نقبوا عن الأسلحة النووية والكيميائية، فلم يعثروا على شيء، بل إن عملية احتلال العراق أثبتت أنه كان فقيراً حتى في الأسلحة التقليدية؛ ولما ألقي القبض على صدام حسين سأله المحققون عن ذلك، فأجاب بأنه كان يريد تخويف إيران، والحق أنه لم يكن بحاجة لأن يخوفها فقد انتصر عليها في الحرب، لكنه الكذب الأبيض والأكاذيب الصغيرة، التي يمكن أن تقود إلى تدمير بلد عظيم، مثل العراق الشقيق.