الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

هل نحن شعوب لا تصلح للحرية؟

رحل الاستعمار عن أوطاننا وترك لنا الفقر والجهل والمرض.. وبخِل علينا سنوات طويلة بشيء يسمى الحرية، وقلنا إن الزمان سوف يحقق لنا الرخاء الذي نريد، والحرية التي تطلعنا إليها وقاتلنا من أجلها.. وتركنا الاستعمار ولم يذكر شيئاً عن ثرواتنا التي نهبها أو خيراتنا التي بددها.

لكن الغريب أن هناك من رأى أننا شعوب لا تصلح للحريات وأن هناك شيئاً غامضاً فينا، يجعلنا أبعد ما نكون عن هذا الحلم.. فالاستعمار الذي عاد إلى أوطاننا بوجوه أخرى، يقدم لنا كل يوم عشرات الأدلة التي تؤكد أنه كان على حق حين حرم شعوباً من حقها في الحرية.

إن لجان حقوق الإنسان في العالم لا تمارس أنشطتها إلا في بلادنا، وإذا طالبنا بحقوقنا في حياة كريمة فلا أحد يسمعنا.. كان ينبغي أن نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة: هل نحن شعوب لا تصلح للحرية؟ وهل مكونات شعوبنا الفكرية والإنسانية لا تعتبر الحرية مطلباً مشروعاً لنا؟ وإذا كنا في يوم من الأيام قد قبلنا القهر والاستبداد من الاستعمار فلماذا قبلناه من أنفسنا؟ وإذا كان الاستعمار قد بخِل علينا فهل من المنطق أن نبخل على أنفسنا بأقل حقوقنا؟ وكيف لم يشهد شعب واحد من شعوبنا تجربة وحيدة مع الديمقراطية في عشرات السنين؟


إذا كان الاستعمار قد سيطر علينا من خلال استبداد القوة، فنحن نمارس على أنفسنا أسوأ أنواع الاستبداد، وهو استبداد الفكر.. لقد سيطرت علينا عصابات فكرية وأيديولوجية ودينية واستباحت كل حقوقنا في الرأي، والموقف، والحوار على أساس فكرة مغلوطة أن شعوبنا لا تصلح للحريات، والشيء المؤسف أننا وجدنا من أصحاب الفكر بين صفوفنا من يروّج لهذه المقولات ويدافع عنها.


إن الاستعمار الذي ظل قروناً يتحدث عن استقلال الشعوب وحرية الفكر لم يكن في الحقيقة يتحدث عنا، ولكنه كان يتحدث عن شعوب أخرى يرى أنها الأصلح للحريات، وأن علينا أن نقبل واقع أننا نفضل الاستبداد، سواء أكان استعماراً أم حكاماً أم أفكاراً مريضة.

لقد اكتفينا بأن نستقبل النصائح والوصايا من لجان دولية تأتي إلينا من حين إلى آخر تحدثنا عن حقوق الإنسان، وحرية الأفراد، وديمقراطية الحُكم، رغم أنها تعلم أن الاستعمار حين خرج من بلادنا ترك لنا أمراضاً كثيرة، يغذيها حتى الآن، منها: أقليات تتصارع فكراً وأصولاً وانتماءً، وترك لنا عقائد دينية لا تتفق على شيء.. وترك لنا ميليشيات ثقافية تكره نفسها ولا تحب أوطانها، وترك لنا أبواقاً من العملاء، والمأجورين، وشعوباً يحكمها الجهل والتخلف.

لا اعتقد أن أرضنا لا تقبل بذور الحريات، ولكن هناك من يسقي الأرض بالماء المالح فلا تكبر فيها شجرة، وهناك من يرفض أن يستمع لصوت شعبه إلا إذا كان نفاقاً وتملقاً وكذباً، وهناك إعلام مضلل وأبواق تسبح ليل نهار لكل سلطان جائر.