الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

أوروبا.. موعد مع السلام

أبثّ حديثي اليوم من وادٍ هادئ بعيد في سفوح جبال الألب الإيطالية، يبعد بضعة أميال فحسب عن الشواطئ المزدحمة للبحر الأدرياتيكي، وأنا أعبر واحة واسعة من غابات الصنوبر، تتخللها جداول المياه ويعمرها الهواء المنعش وتحيط بها الجبال الشاهقة المغطاة بالثلج.

وهنا، يمكنني أن أستقرئ دروساً تاريخية لا يدركها النسيان، فهذه الوديان هي الممرّات والأروقة التي تربط أوروبا الشمالية بالبحر الأبيض المتوسط، وكانت منذ العصور الوسطى منطقة للتجارة الآمنة ولمظاهر العنف أيضاً.

بدأت رحلتي من منطقة «سافوي» التاريخية التي شهدت ولادة المملكة الإيطالية عام 1860، ثم عبرت منها إلى مقاطعة سويسرية كان أهلها يتكلمون الفرنسية وأصبحوا يتكلمون الإيطالية بعد ذلك، ووصلت الآن إلى بقعة من إيطاليا يتحدث أهلها الألمانية، وكانت جزءاً من الإمبراطورية النمساوية - المجرية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.


واليوم، أصبح هذا الخليط من اللغات والثقافات والأديان يبدو وكأنه يمثل نموذجاً للوئام والسلام، إلا أن الأمر لا يبدو دائماً على هذا النحو، فقد بقيت هذه الطرق التجارية لفترة طويلة جزءاً من طريق الحرير والتوابل بين الشرق الأقصى وجنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والبحر الأحمر.


ولهذا السبب كانت السيطرة على هذه الممرات التي تشبه «مضيق هرمز الأوروبي» تمثل الاهتمام الأكبر لمدن كانت عامرة مثل: فينيسيا وجنوة من جهة، وفرنسا والولايات الألمانية من جهة أخرى، وكل واحدة من القرى التي تنتشر في تلك الربوع سبق لها أن شهدت معارك طاحنة لا رحمة فيها ولا شفقة من أجل الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من الممرات التي تؤدي إلى هذه المعابر، وهذه الأحداث كلها باتت منسيّة الآن، ولم يعد مطلوباً من المسافر إلى هناك التوقف عند أي معبر حدودي.

وقد يتساءل المرء: لماذا كانت العديد من الحروب ضرورية من أجل التوصل إلى السلام الدائم، وما هي الفوائد الكامنة فيها؟، وهل يُعتبر اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد واللغات والمذاهب والأديان مبررات للحرب والقتال؟.

يمكنني أن أستقي رأيي الشخصي من قصة عائلتي، فلقد كان أحد أجدادي جندياً في الجيش الفرنسي والآخر في الجيش الألماني، وأنا أعتقد أن أوروبا لم تسترد عافيتها بعد، ولن تستردّها أبداً، ويمكن لخسارتها لملايين الأرواح في الحرب العالمية الأولى والتي لم تثمر عن شيء غير التمهيد لنشوب الحرب العالمية الثانية، أن تكون درساً لأولئك الذين يرون أن الحروب تمثل الحل الوحيد للنزاعات والطريق الصحيح لعالم أفضل.