السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

«رَوَاءُ مكَّة».. سيرة ومسيرة القاصدين

هيّ ليست مجرّد رواية تحكي سيرة ذاتية للكاتب (حسن أوريد)، أحد القاصدين القادمين من المغرب العربيّ، مع نُسُك الحجّ.

«رَوَاءُ مكَّة» ميلاد للذات، وعودة للمنابت، وارتواء بعدَ ظمأ، ورحلة من الشكّ إلى اليقين، استهلَّها من حيث كانت البداية إلى ما آلَ إليه حاله مُقرّاً: «إلى من إليهم أنا مدين بما كنتُه وما إليه صرت، إلى والديّ..»، منتقلاً بالمشهد لجدّته التي غرست في فؤاده بذرة الهداية بتراتيلها الصباحية لوردها اليوميّ بلهجتها الأمازيغية، تاركة للأيام تبعات سقايتها حتى تؤتي أُكلها، فأكمل إهداءه «إلى روحِ جدّته»، مسجّلاً اعترافه: «إليهم الفضل على بدء النشأة تحت ظلال القرآن وهذا العود لنبع الإسلام».

كيف للْعين أن تخلد للمنام دونَ سبرِ أغوار الرحلة من الشكّ الذي رُوِيَ في «ومضات» ثمّ «ذبذباتٍ»، ثم «همزاتٍ» حتى احتفى بـ«إشراقات» روحه وفكره، ثمّ «بشائر» الوصول، ليعتنقَ اليقين بما أحدثته الرحلة في نفسه من «تداعيات»، فكَيفَ يَكُفّ عن «الحنين إلى مكّة»، بَوحاً إنسانياً استثنائياً؛ فيا لعِظَمِ ما ولَّدته الشعائر من مشاعر..!خاضَ القاصدُ رحلاتٍ زامَل خلالها عِلية القوم في دراسته وتقلّد أرفع المناصب، من دبلوماسيّ فذّ بالولايات المتّحدة يتقن خمس لغات تاركاً أنامل الغربِ تعبثُ بأفكاره، لوزارة الخارجية، لوالي جهة مكناس المغربية، ثم باحث ومفكر في علوم الأديان والفلسفة والتاريخ مقيماً لسنوات في عاصمة الضباب، كلّ تلك الرحلات لم تكن بثِقلِ رحلة واحدة قلبت كيانه نحو العودة والأوبة.


حديثٌ وشجن، مناجاة وتأملات، ماضٍ يزاحم حاضراً، يعيدك تارة للحضارة الإسلامية، ثم يذيقك مرارة سقوط الأندلس، ويضعكَ في معتركِ الحرب الأمريكية على العراق، ثم يعرضك لاستشرافاتٍ مستقبلية، وأشد ما يأسِرك بتفاصيل رحلته هو جمال المنطِق وعمق المنطوق، وسحر الكلمات التي افترشت 225 صفحة من الحجم العادي، لتجد نفسك مُنساقاً لصحبته في سائر رحلته.


بين مكناس المغربية وأم القرى وطيبة الطيبة، يتساءل الكاتب: أهي رحلة أم استكشاف؟ أهي صفقة صلحٍ مع الذات، أم استحضار لما طاف؟ «ما جدوى أن أنفر إلى مكَّة حاجّاً.. إن لم أتحول؟ وهل الحجُّ إلا هجرة؟».

ولرحابة تلك السيرة الروائية وعمقها، ارتأينا أن نفرد لها مقالين آخرين نخوض خلالهما تفاصيل الرحلة وتداعياتها، فمن «رَوَاء مكَّة» لنا مزيدٌ من ارتواءٍ وعودة.