الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

الرواية .. وعفوية الإنسان

في العالم الحديث، والعالم الأشد حداثة الذي نعيشه اليوم، حيث يتدفق هذا السيل الهادر من الأخبار والمعلومات والمعارف والصور، يحضر (الشخص) بكل قوته ويغيب (الإنسان).

تغيب حياته الحقيقية وتظهر يومياته المنتقاة.. تغيب تلك الأحداث العادية وشؤونه التي لا يلتفت إليها أحد في حميميته الدافئة، والحب الذي يملأ قلبه.

يختفي هذا الإنسان البسيط وراء ما يظهر على شاشة عريضة تهتم للشخوص وطريقة حياتهم ومناسبات حضورهم التي لا تنتهي، والفرق بين الشخص والإنسان هو أن الأخير حقيقي وتلقائي وغير صالح للنشر.. يعيش حياته بنوع من النزاهة والصدق والرغبة في عدم إثارة الاهتمام.


هذا الإنسان الذي ينتمي لحياة البشر الطبيعية هو في طريقه إلى النسيان أو هكذا نعتقد، لأننا نقضي أغلب وقتنا في التحدث أو الاستماع أو متابعة حياة (الشخص) في منظومة الاتصالات العالمية الخارقة.


هناك فلاحون يعيشون تحت الشمس من أجل إنتاج رغيفنا اليومي، وهناك عمال من أجل إنتاج متطلبات حياتنا من القمصان حتى السيارات، وهناك باعة وهنا متبضعون، وهناك طلاب يثابرون على مقاعد الدراسة وبعدها، وهناك نساء يسهرن في المستشفيات على راحة المرضى، وهناك أمهات وآباء لا يكفون عن ممارسة الحياة من أجل الحياة التي لا يمكن نشرها والاهتمام بها، لكن جميع هؤلاء وسواهم غائبون، يتخفون في صورة إنسان طبيعي يهرب من المشهد.

من أجل الإبقاء على هؤلاء، من أجل إدراجهم في التاريخ كانت الرواية هي المسرح الفريد الذي يتحركون عليه، لذلك كلما تتعاظم الميديا في جنونها تتقدم الرواية بكل ثقة لتدافع عن الإنسان بعفويته وصدقه وحيويته ضد الشخص الذي هو مجرد صور وخبر.

لماذا تريد الرواية البقاء لهؤلاء الذين يفضلون الهامش الطبيعي على الحضور المصطنع؟.. تريد الرواية ذلك، بل تقاتل من أجله لأن مهمتها الحفاظ على النوع البشري الحقيقي بكرامته الإنسانية ضد شخصنة الإنسان وتحويله إلى مادة إعلامية.الفرق بين الشخص والإنسان هو أن الأخير حقيقي وتلقائي وغير صالح للنشر