السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الزار و(الضبع)

الموسيقى والتفكير وجهان لعملةٍ واحدة، رغم أن «موسيقى التفكير» تختلف تماماً عن «تفكير الموسيقى»! بمعنى أن الموسيقى أشبه بنوعٍ مختلفٍ من التفكير، بينما التفكير أشبه بنوعٍ مختلفٍ من الموسيقى! وفي الحالتين نجد أنهما معاً يرسمان وجه الروح بالتفصيل! كاندماج الريشة بالألوان دون العنصرية بالتفضيل!

يشكّل (حليم الضبع) الموسيقار المصري الأمريكي الجنسية، حالة فريدة بين عالم الدهشة والنرجسية، فقد تأثرت موسيقاه بأعمال العملاقين «سيد درويش ومحمد عبد الوهاب»، وكذلك بالملحن المجري «بارتوك» بكل غزارةٍ وإسهاب! ولكن الغريب أنه في سنة 1944 قام بتسجيل مقتطفاتٍ صوتية من «الزار»!

وهو طقس شعبي يستخدم الرقص لطرد الجن من الجسد أو الدار! ومن ثم عالج المادة الصوتية كصاروخ مستعد للانطلاق، في تجربة غير مسبوقة على الإطلاق، حيث أعلن عن ثقافة «الزيران» بصورةٍ مجاهرة، في إحدى الفعاليات الثقافية في مدينة القاهرة، ليصبح أول من دخل مجال «الموسيقى الخرسانية» الخاصة بمعالجة الضجيج! والتي تعتبر أن الصوت شيء ملموسٌ كالنسيج! ومن المحزن أن المؤرخين احتفوا بالفرنسي (بيير شايفر) كمؤسس للخرسانة الموسيقية أو بما عرف لاحقاً بــ«الكونكريت»! متجاهلين تجارب (الضبع) منذ سنواتٍ طويلة سبقته في المكان والزمان والتوقيت، ولعل ذلك يعود إلى تأخره في وضع أسس نظرية واضحة، أو بسبب احتكار الأوربيين آنذاك للفنون بصورةٍ فاضحة!

وهكذا انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستقرار والعيش فيها، وسرعان ما أصبح نجماً في سماء نيويورك وجامعة كولومبيا وما يليها، فقد امتازت أعماله بالخيال الواسع، كالفضاء الشاسع، حول اللحن اللاسع، في رحلة بحثٍ عن صوتٍ جديد المشاعر، ويشهد على ذلك شريطه (ليلى والشاعر)، المستوحى من قصة قيس وليلى مع الغرام الأزلي، دون اللجوء إلى وصف النغم بالشكل الغزلي!



توفي (حليم الضبع) قبل إتمامه 100 عام، بـ4 أعوام بالتمام، أي أنه كان في الـ96 من العمر حين وافته المنية، مورثاً لهذا العالم مكتبته الموسيقية الغنية.