الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«قوس الرّمل».. حرب الماء الكبرى

عندما قبلت الأرض الماء، ارتعشت في دهشتها الأولى. تطهرت. أنبتت. وكان أن بدأ الخلق. (لولوة المنصوري)

رواية «قوس الرّمل» للروائية الإمارتية لولوة المنصوري، نص جريء في وضعه مشكلة الماء على محك الأسطورة وواقع اليوم، تسير الرواية في بنيتها السردية وفق ثلاثة رُواة في رحيل دائم لاستكشاف سر الماء، الخالة حليمة الحاملة للذاكرة التي فقدت زوجها بعد أربعين يوما من زواجها لأنها فوجئت بالدود يأكله، ويشكل الدود لازمةً في النص إذ يوحي بلحظة الفناء التراجيدية التي يحملها البشر في كياناتهم.

وشخصية الأب الذي لا يحمل صفة محددة سوى كونه دليلا شعبيا في صحراء الربع الخالي، يتحول من حين إلى شبيه للأنثروبولوجي الباحث عن سر الحجارة والبشر والحضارات البائدة، والسارد المركزي الذي لا يحمل اسما وتمر عبره الرواية بكاملها.


من خلال هذه الشخصيات الثلاث نكتشف باطن الصحراء الذي ليس نفطا، ولا ماء، ووديانا مجمدة فقط، ولكن تاريخا حيا وقاسيا تستخرج الروائية أسراره.


تضعنا الكاتبة، منذ العتبات الأولى للنص وجها لوجه أمام قضية شديدة الخطورة: حرب المياه القادمة!، مستذكرة تاريخ هذه الحروب منذ إلهة الماء «نمو»ّ في الألواح السومرية، مرورا بحضارة الرافدين في تماديها المكاني، قصة الطوفان التي كان الماء سيدها «اركب السفينة واحمل زوجك وأهلك ومن آمن معك»، أحمل في السفينة بذرة كل ذي حياة، سيعود البشر جميعا إلى طين، وتعود كلها إلى ماء. جدف على الجبال في الأمواج البعيدة، وحذار أن تمس يدك مياه الموت (ص 164)" إلى خرائب وبار في ظفار، وبيرين، وعرين، إلى زماننا، حيث كان الماء هو سيد الرخاء، والإفناء أيضا ومدمرا للحضارات التي شيدتها الشعوب عبر آلاف السنين.

تكاد الكاتبة تدخل في سجال تاريخي حول جدوى تدمير الحضارات التي كانت مليئة بالحياة، بغض النظر عن خطابات الأديان. الأساطير تُقدم في الرواية بوصفها قصصا قديمة لحضارات حية، اختارت الأقوام المتعاقبة بناءها على حواف الماء لأن الماء هو الحياة.

هي ليست إرم ذات العماد التي بناها شداد بن عاد لمنافسة الجنة، والانتقال من الصورة الدينية التي ترى ذلك بغضب، إلى المنجز البشري، الذي جعل بفضل الجهود والمعاناة من مدينة إرم الاستثناء، فكانت على الماء، على حافة بحيرة وبين واديين أحدها يصعد عاليا والآخر ينزل، دُمرت وطُمرت ولم ير مشيدها شكلها النهائي، فكانت حروب الماء هي المحدد لكل شيء، لتقذف بنا الروائية في نهاية النص في عالم لو يولد بعد (سنة 3025) ستستمر المأساة كما في بدء خلق البشرية.

رواية قوس الرّمل تكاد تدور كلها في باطن الأرض، تحت الكثبان الرملية المقوسة، ومن هنا كان عنوان الرواية.

تكشف لولوة ما يتخفّى تحت الرمال والكثبان من براكين حضارية عمرها أكثر من 6000 سنة ق.م، كانت سببا في سعادة الإنسان ومأساته، فالرواية بهذا المعنى درس كبير لما ينتظر حاضرنا العربي؟