الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

عاش 88 مفتاحاً

البيانو! وما أدراك ما البيانو؟ أهي مجرد آلة من الجماد؟ أم كائن يعيش بين العباد؟ وكأنها «سيدة المفاتيح» بـ88 مفتاحاً، 52 منها بيضاء و36 منها سوداء، لتثبت تفضيلها للون التفاؤل الأبيض، أكثر من ظلام التشاؤم الأسود، دون نكران وجوده في أجزائها! ودون إهماله بالرغم من أعبائها.

بعدد مفاتيح البيانو تماماً، عاش الموسيقي (زكي ناصيف) 88 عاماً، وفي أرشيفه أكثر من 1000 لحن وإلهام، وأكثر من 500 أغنية، صنع بها أجمل أمنية، امتلك أسلوباً مميزاً في التأليف، كاد يسمى أسلوب (ناصيف)، استعان بألوان الأزهار، والجبال والأنهار، فرسم الطبيعة من خلال نغماته، ليعيش كالطبيعة حتى بعد مماته، اعتمد الفلكلور اللبناني، ولم ينسَ الجانب الإنساني، عكس الصلة بين الإنسان والأرض بمشاعرٍ مرهفة وراقية، وسخّر الأهازيج التي لا ألحان لها بطريقةٍ زاهية، فبدلاً من أن يغني «الدلعونا»، استوحى منها «طلوا حبابنا»، احتفظ بنكهة الدبكة وطوّر أغلب الإيقاعات، وأدخل نوعاً جديداً في غناء الإذاعات، وطد بين خواص الإرث وأصل العلاقات، قدم من خلالها أروع الباقات، صاغ التراث بأنغامٍ حديثة ومعاصرة، ليرقص معها الفؤاد قبل الخاصرة.

حلق (ناصيف) فوق بحر النغم كطائر النورس، فهو أول من جازف بعمل أغنياتٍ للكورس، عزز بذلك مهاراته في كتابة الجمل الموسيقية، في سبيل خدمة الخامة الصوتية، والجدير بالذكر أنه بدأ العزف دون دروسٍ حقيقية، ومن دون أي إلمامٍ بالقواعد والأصول اللحنية، وعندما اشتد عوده أخذ يغني في المطاعم الترفيهية، كسب حينها صداقات ووجوهاً فنية، إذ تعرّف على الموسيقيين إيليا بيضا وتوفيق الباشا وخليل مكنيّة، كما ألف مع الأخوين الرحباني وحليم الرومي والد الفنانة ماجدة الرومي بما سمّوه بعصبة (الأربعة الموسيقية).

لم يكن (زكي ناصيف) مهتماً بحياته الشخصية، فقد أولى سنوات عمره للفن بصورةٍ كلية، حيث إنه لم يتزوج مطلقاً، ومع ذلك ظل مشرقاً ومنطلقاً، ترى هل كان هذا خياره حقاً؟