الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الإطلال على «الأطلال»

زراعة العقل أهم من زراعة الحقل، والأهم من ذلك حصاد القلب بعد الصقل، أي بتطهيره من شوائب الحقد والضغينة، ومن الأفكار السوداوية اللعينة، وبالابتعاد عن العلاقات المهينة، والمصالح البشرية المشينة، والذكريات الطويلة الدفينة، والتفكير بالمواقف الحزينة، لئلا تصبح روحك سجينة، ولذلك وجب التمسك باللحظات الثمينة، والاعتماد على الثقة المبينة، لتعيش بين الأخلاق الفاضلة والحصينة، دون الحاجة إلى الفيلسوف «أفلاطون» أو تلك المدينة.

(رياض السنباطي) الملحن المصري التي جعل الألحان رهن يديه، أصيب وهو في التاسعة من عمره بمرض في عينيه، هاجم طفولته بكل قسوة وشراسة، فحال بينه وبين الاستمرار في الدراسة، ما دفع والده إلى التركيز على تعليمه قواعد الموسيقى وأسس الإيقاع، وقد أظهر (رياض) استجابة سريعة وملحوظة باسم الإبداع، فاستطاع أن يؤدي أهم الوصلات الغنائية الكاملة، وكأنه صنع لنفسه وبنفسه مدينته الفاضلة، فأصبح نجم الفرقة آنذاك بل ومطربها الأول، فهو صاحب المبادئ والقيم الذي لا يتحول، وهكذا استحق عن جدراة لقب «بلبل المنصورة»، وقد استمع إليه الموسيقار «سيد درويش» فأعجب به وبنى حوله قصوره، حتى إنه أراد أن يصطحبه معه إلى الإسكندرية ليتيح له أفضل فرصة، ولكن والده رفض ذلك العرض واعتذر بألف قصة، خاصة بسبب اعتماده عليه بدرجة كبيرة في الفرقة وأعمالها، وبأن ابنه (السنباطي) نور عينها وناتج مجموع أحلامها وآمالها.

تأثر في بداية تلحينه للقصيدة بالمدرسة التقليدية، كما اتبع إلى حد ما أسلوب الفنان الموهوب «زكريا»، وأخذ عن «عبدالوهاب» الطريقة الحديثة في المقدمة الموسيقية، ويعتبر (السنباطي) من أوائل الذين أدخلوا آلة العود إلى الأوركسترا، ثم توالت إبداعاته وتطويراته المرة تلو المرة، وكأن عين بصيرته استقرت في أنامله الحرة، ومن أشهر ما قدم (لسه فاكر، القلب يعشق كل جميل، أقابله بكره، رباعيات الخيام، أراك عصي الدمع، ثورة الشك، والأطلال).