الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أمرٌ مثيرٌ (للعــدل)!

ثمة استفزاز يأتي على هيئة ناقضٍ ونقيض، كأن يبتسم الواقع لنا بوجهٍ بغيض، أو أن تحل الصحة علينا بثوبٍ مريض، تماماً كنهرٍ لا يجف إلاّ عندما يفيض، أو كاصطياد الأرانب بنية الترويض، أو باعتبار التشجيع الذاتي هو قمة التحريض، فهل حقاً سنجد قمة السعادة في الحضيض؟ وهل فعلاً يجب ترك أرواحنا هائمة تطالب بالتعويض؟ أظن أنه من الطبيعي ألاّ نفهم كيف لا يفرقون بين العبادات والعادات بصورة مشينة وفاضحة، وألاّ ندرك لماذا يرون وجه الحب مشوهاً في حين تبدو ملامح الكراهية واضحة، وألاّ نستوعب متى أصبحت الواسطة أعظم سلطة، لتصبح الموهبة أكبر غلطة!! عموماً هذا الأمر بالذات ما عاد مثيراً للجدل، وإنما للبحث عن النذل، ولا بأس إن قلنا البدل، في قضية مثيرة للعدل.

الغريب أنه في زمنٍ قريب، هاجم الكثيرون الموسيقار الألماني (ريتشارد شتراوس) بشراسة، ولكنه في نهاية المطاف انتصر على الجميع بشجاعةٍ فذة وفراسة، حيث وصفه المعجبون بالطليعي، بينما وصفه الكارهون بالرجعي، إلاّ أن ذلك لم يكسر جناحه، ولم يعرقل نجاحه، فقد أثبت مكانته بين أشهر ملحني أواخر القرن الـ19 والقرن الـ20، بل ما زال اسمه إلى اليوم منتشراً ومزدهراً كزهرة تشرين، حتى إن بعض النقاد وصفوه بالفنان الذي يستطيع فعل أي شيء، ببساطة لأن الموسيقى كانت بالنسبة له كل شيء.

كتب (شتراوس) أوبرا «سالومي» ولكنها أثارت سخط الجمهور، لما فيها من جرأةٍ وعنفٍ بالصوت الجهور، ولهذا تم منعها وحرمانها من العرض أو الظهور، لتبقى الحقيقة أنه بالرغم من كل ما مر به حقق جميع أحلامه، بل عاش حياته كلها في سلسلةٍ من الترحال المستمر حتى آخر أيامه، حيث شارك في احتفالات ميونيخ الموسيقية في عمر ناهز الـ85 بسلام، وبعدها بدأت حالة قلبه بالتدهور إلى أن توقف تماماً عن النبض والكلام.