السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

ألوان الألحان

عندما تذهب في نزهة إلى الحدائق لن ترى أجمل من زهرة القلب الأبيض، وعندما تزور المقابر لن تجد مكاناً أظلم من شوكة القلب الأسود، فالنبلاء ينصفون الجميع حتى أعداءهم، والحقراء يقصفون الجميع حتى أصدقاءهم، ولكن تأكد أنه من المستحيل عليك أن تهزم قلباً عاشقاً، أو أن تتسامح يوماً مع من كان معك منافقاً فاسقاً، عموماً سوف تنتصر الموسيقى على الجميع وبشكلٍ دائم، مهما تكاثرت الأحقاد أو تكاثفت الهزائم.

(أليكساندر سكريابين) ملحن وعازف بيانو روسي مشهور بين الناس، في بداياته اتسمت أعماله بطابع غنائي لحني حساس، حيث تأثر بالحس المشترك مع الألحان، وربط العديد من النوتات بالألوان، كما استخدم نظاماً جديداً ذا نغماتٍ متنافرة، في سياقٍ مختلفٍ ومتناسبٍ تماماً مع جهوده المتضافرة، وكذلك انشغل بأفكارٍ تحليلية عميقة وفلسفية، وارتبطت مشاعره بأحاسيس إلهية قوية وصوفية، ولعله لذلك يعتبر من أكثر الملحنين الروسيين إبداعاً وتميزاً وابتكاراً، وبالتالي حصد من محيطه حباً وفي الوقت ذاته احتقاراً، والغريب أن لا أحد مثله نال هذا القدر من الحب والازدراء، بغض النظر عن اختلاف الأذواق أو تضارب الآراء، ولذا انحدرت شعبيته في الأوساط الموسيقية وخاصة السوفييتية في أواخر حياته، ولكنه استطاع أن يستعيدها بقوة بين عازفي البيانو في العقود الماضية بعد وفاته! والجدير بالذكر أنه توفي في الـ43 من العمر، لتبقى موسيقاه حية من بعده طوال العمر.

لم يكن الموسيقار (سكريابين) طويل القامة، ولكن إبداعه بالتأكيد قد رفع مقامه، فالحقيقة أن أنامله القصيرة لم تمكنه قط من الوصول لأكثر من «أوكتيف» واحدٍ فقط! أي أنه كان يصل بصعوبةٍ من مفتاح «الدو» الأول إلى «الدو» الثاني بيدٍ واحدة، ومع ذلك فقد حقق نجاحات هائلة وأثبت وجوده بروحٍ مجتهدة ومجاهدة، لنتأكد أن النقص لا يكون إلا في القلب والأخلاق، ولا شيء غيرهما يعيق الانطلاق.