السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

قوة التعاطف لا تعني الضعف!

لا تكمن السعادة في الاستهلاك المستمر، ولا في التكديس العشوائي لأمور عديمة النفع والفائدة. السعادة هي قدرتك على التواصل مع الآخرين بشكل اجتماعي لطيف ومشرق. هي صفاء النفس والفكر وسط التفاعلات الاجتماعية الخالية من البغض والأحكام المطلقة والتنكر، هي في تلك اللحظات المليئة بالتعاطف والود. السعادة هي الملاذ - المقصود بالملاذ هنا ليس المنزل بل الحالة الذهنية - ملاذك الأخير هو عقلك، هو منبع الأفكار التوجهات والأمزجة. فإن كان هذا المكان – العقل - عامراً بالانشراح والتفتح والصفاء والحب غير المشروط، فهذا هو السلام والتصالح الذاتي. وإن تحقق ذلك، تحققت السعادة. نعم البعض يجدون صعوبة في تحقيق هذه الغاية رغم أنها تبدو من ناحية نظرية، في غاية البساطة؛ لأنه من الصعب عليهم التواصل مع الآخرين، ويتعسر عليهم إيجاد الراحة الذهنية إذا كانوا يشعرون بعدم قيمة عملهم، ومن المستحيل أن يعطي الحب واللطف عندما يكون هو نفسه قاسياً وناقداً على نفسه. لكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الإنسان منذ بدء الخليقة كائن مفكر ومبدع، خُلِق ذهنه لغرض البناء والتطوير والإبداع. لذلك عندما يستثمر كل طاقته ووجوده في عمل لا يعنيه ولا يهمه فإنه يؤدي به إلى الشعور بالقلق والاكتئاب والحزن وعدم الجدوى. هذه المشاعر تؤدي إلى الخواء والفراغ الذي يتم تعويضه عن طريق القيام بالأنشطة التي تعطي شعوراً زائفاً بالجدوى والأهمية، مثل الاستهلاك. ننشغل بما يمكننا امتلاكه وبمظهرنا وأشكالنا، وتحقيق الإنجازات المؤقتة، كمحاولات لإيجاد قيمة وهدف نعيش لأجله ولكن كل هذه المحاولات تفشل في النهاية لأنها مبنية على الاستمرارية بالاستهلاك. في الواقع، من النادر أن يشعر المرء بالندم عندما يتجاوب مع إحساسه الداخلي والغريزي، ومن النادر أن يشعر بالسعادة والرضا تجاه النتائج التي حصلت بعد تجاهل لأحاسيسه الغريزية. وهذه التجربة تدل على أنه في مرحلة ما انفصل الإنسان عن نفسه الداخلية ومشاعره الدفينة وبات يجدها غير منطقية أو لا تستحق الاستماع لها. وكأن هناك شيئاً ما يجعل المرء منسلخاً عن ذاته ونفسه. الخبر السار أن الإنسان مجبول على الحب والتعاطف والرحمة والتآلف. هذه صفات خالصة في الإنسان. لذا نتألم جسدياً ونفسياً لمجرد مشاهدتنا لشخص آخر يتألم، هذا يدلل على أن الرغبة في الاتصال مع البشر والطبيعة ومع أنفسنا مغروسة في أعماقنا ولكننا غفلنا عنها، أو بمعنى أصح لم نمتلك الوعي حول أهميتها. لقد أهملنا تنميتها أو الاهتمام بوجودها الفطري، بل البعض بات يعتبرها عيباً مسيئاً يهين قوته وصلابته. لكن في الحقيقة تنمية قوة التعاطف والرحمة لا تعني صنع شخصية ضعيفة وهشة بل على العكس تعني خلق سعادة الإنسان وصفاءه الذهني وشعوره بالمعنى والاستقرار. فقط عندما يشعر الإنسان بالحب والتعاطف تجاه الأرض والبشر يمكن له أن يتخلص من الشعور بعدم القيمة والجدوى. فقط عندما يشبع نفسه بالحب تجاه العالم يمكن له أن يشعر بالاحتواء والاندماج والسعادة. كل ما نحتاجه لنشعر بالسعادة والأمان هو أن نحترم الأرض والبيئة ونقترب أكثر من المناطق الطبيعية. نحتاج أن نتواصل مع الآخرين في جوّ صاف وحميمي، خالٍ من الأحكام والاستعراضات البالية والمجاملات الزائفة. يجب أن نجد فسحة للإبداع والابتكار في أعمالنا أو الانغماس في هواية نحبها تحفز الابتكار والإبداع. ويجب أخيراً أن ننصت جيداً لأنفسنا ولأصواتنا الداخلية وحدسنا الصادق.