الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العطاء.. ليس للأغنياء فقط!

نحن في عصر غلب عليه الطابع المادي بشكل واضح، والسعي نحو تحقيق الذات والنجاح بأي طريقة ممكنة، ومنها الأساليب الملتوية - دون تعميم، لأن الخير والمحبة متواجدان دوماً - لذلك يقول البعض إن فضيلة العطاء وصلت إلى أدنى مستوياتها، حتى في جانب فهمها، لأنه تم تقييدها بالمادي كالنقود والهدايا والطعام، ونحن بهذا وضعنا إطاراً لهذا المفهوم العميق العظيم، رغم أن العطاء يحمل معاني أعمق وأسمى وأبعد، على سبيل المثال لا الحصر الاهتمام والحب والصداقة وحتى الإيثار والدعاء، هي قيم من عمق العطاء أو هي معنى العطاء نفسه.

الفقر لا يمنع العطاء، لأن ما تقدمه من مشاعر صادقة كالأمانة والإخلاص وحب مساعدة الآخرين ونحوها فضائل يستطيع الجميع القيام بها دون أي تحديد للمستوى المعيشي أو الدرجة المادية، وهذا ما قالته الكاتبة الألمانية آن فرانك: «لم يصبح أي شخص فقيراً بسبب عطائه» الصدق عطاء إذا كانت الحياة محملة بالكذب والزور والنفاق، ببساطة متناهية لم تخلق صفة العطاء للأغنياء وأصحاب الأموال فقط، بل هي مشاعة ولكل شخص طاهر بقلبه ووفي.

في دراسة جديدة قرأتها قبل فترة وجيزة من الزمن، في صحيفة ذي إندبندنت، جاء فيها أن بعض علماء النفس توصلوا إلى أن أعمال البر والعطاء أقصر طريق للوصول إلى السعادة، وفي دراسة لمحاولة تفسير -لماذا تكاثر الأموال لا يجعل الناس بالضرورة أسعد حالاً؟- اكتشف العلماء أن أعظم المتع على الإطلاق يمكن أن تتحقق بالتبرع بالمال، إما لجمعية خيرية، أو لشخص تعرفه، وهو محتاج للمساعدة.

وقال أحد العلماء إنه: «بالرغم من زيادة الدخول في العقود الأخيرة، فإن مستويات السعادة قد ظلت على ما هي عليه، أو نقصت إلى حد كبير في أدنى درجاتها في الدول المتقدمة عبر الزمن»، وختمت ذي إندبندنت خبرها بما اقترحه العلماء بأن بمقدور الحكومات أن تزيد سعادة مواطنيها بسياسات توضع لتعزيز الإنفاق الاجتماعي، وبتشجيع الناس على استثمار دخولهم في الآخرين بدلاً من أنفسهم.

أدرك تماماً أن الحديث عن عدم تمكن الأموال من جلب السعادة، هو حديث قديم جديد، ولكن الجديد أن يتحول مثل هذا الكلام من النظريات العامة التي لا تستند على جوانب علمية لتدخل في دراسات بحثية وعلمية، تقررها وتؤديها.

أعود للنقطة التي بدأت بها كلماتي، والتي تتعلق بالعطاء، حيث وجدت من خلال بحث، أن هذه الصفة تقدرها كل أمة من أمم الأرض وكل شعب، بل ويوجد في تراث الكثير من الأمم من تدعو وتؤيد هذه الخصلة الإنسانية النبيلة، حيث نجد في الثقافة الصينية مثل يقول: «مثلما يعود النهر إلى البحر، هكذا يعود عطاء الإنسان إليه». والإنجليزي يقول في أمثاله: «العطاء مع البشاشة نعمة مضاعفة» ومثله الشعب الفرنسي الذي من أمثالهم الشهيرة: «الإسراع في العطاء يعني العطاء مرتين»، وقد جاء من بين الأمثال الدنماركية، قولهم: «الرجل السخي يزداد غني في العطاء والبخيل يزداد فقراً في الأخذ».

أما العرب فلم يكونوا بعيدين أبداً عن هذا المضمار فقد قالوا: «إذا كان لديك الكثير، فأعطِ من أموالك، وإذا كان لديك قليل، فأعطِ من قلبك»، وهذه المقولة تحديداً تحمل دلالة كبيرة وتجعل العطاء، في المكانة الصحيحة والتي يستحقها من العمومية، وأن الجميع يستطيعون أن يمارسوا العطاء سواء بأموالهم أو حتى بمشاعر صادقة نابعة من قلوبهم.