الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

سعر البترول.. والمزاج السياسي!

تأسست منظمة الدول المصدرة للبترول OPEC في 14 سبتمبر عام 1960 في العاصمة العراقية بغداد، وبدأت بخمس دول إلى أن توسعت في عضويتها وشملت 13 دولة في وقتنا الحاضر، وحسب إحصاءات العام 2018 تنتج دول المنظمة ما مجموعه 44% من الإنتاج العالمي للبترول، وتحتوي على 81.5% من الاحتياطات المثبتة منه.

تهدف المنظمة إلى تنسيق وتوحيد السياسات البترولية للبلدان الأعضاء فيها وضمان استقرار أسواق النفط، من أجل ضمان إمدادات نفطية فعالة واقتصادية ومنتظمة للمستهلكين، ودخل ثابت للمنتجين، وعائد عادل على رأس المال لأولئك الذين يستثمرون في الصناعة البترولية.

إلا أن المنظمة ومنذ تأسيسها واجهت تحديات حقيقية، سواء من المواقف المتباينة بين الدول الأعضاء أو ضغوطات الدول الكبرى لتحديد كمية الإنتاج والتأثير على الأسعار، بل وبلغت هذه الاختلافات ذروتها عندما غزا العراق الكويت في سنة 1990 بحجة أن الأخيرة تتلاعب بالإنتاج لخفض أسعر البترول، لكن ومع كل ذلك بقيت المنظمة متماسكة وقوية لإيمان أعضائها بضرورة ضبط السوق لهذا المنتج الاستراتيجي والذي يضمن لهم مداخيل رئيسية.

لتحرير سعر البترول من متغيرات السياسة وتقلباتها وإخضاعه لمعايير اقتصادية واجتماعية راسخة أهمية كبيرة

مع تصاعد الأزمة الأوكرانية واحتمالات الصدام المباشر بين حلف الناتو وروسيا، بلغ سعر برميل البترول مستويات لم يشهدها منذ عقد من الزمان، والتقديرات توحي باستمرار الارتفاعات إلى أرقام غير مسبوقة مع دخول الأزمة أسبوعها الثالث، فهل يكون ذلك في مصلحة الدول المنتجة؟ للوهلة الأولى قد تكون الإجابة عن هذا السؤال بديهية ومنطقية فزيادة الأسعار تعني زيادة العائدات، إلا أن الأمور أعقد من ذلك بكثير!

منذ البداية ارتأت المنظمة، وكما هو واضح في أهدافها، أن تحقق توازناً حكيماً بين المستهلك والمنتج، يراعي مصالح الكل، ويحفظ العالم من آثار أزمة اقتصادية حادة ستأتي على الجميع، فالدول الصناعية هي من أهم مستوردي البترول في العالم، وفاتورة الطاقة من العناصر المهمة لحساب كلفة التشغيل والإنتاج، فأي صعود صاروخي لسعر البرميل سينذر بموجة من الغلاء وارتفاع معدلات التضخم والبطالة ستجتاح جميع دول العالم، ويفرض على الدول المستهلكة الإسراع في البحث عن بدائل للبترول تكون أكثر حصانة ضد التوترات والأزمات الدولية.

من ذلك، نستخلص أهمية تحرير سعر البترول من متغيرات السياسة وتقلباتها، وإخضاعه لمعايير اقتصادية واجتماعية راسخة كمصدر فريد للطاقة، وأن تكون الأوبك كونها المنتج الأكبر هي المرجعية الرئيسية في تحديد الأسعار بعيداً عن تخوفات المضاربين وطموحاتهم، وتحقيق السعر العادل للمنتج والمستهلك بالنظر إلى كامل الصورة وتوازناتها الدقيقة.