الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

عزيزي جون.. النجدة

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة دول المحور، برز على الساحة العالمية نظام دولي جديد، قطباه الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، وتراجع دور الامبراطوريات العتيقة، كبريطانيا وفرنسا وفقدت مستعمراتها الواحدة تلوى الأخرى.

استطاع الاتحاد السوفياتي حينها التوغل في شرق أوروبا وإقامة أنظمة شيوعية حليفة له في تلك الدول، وربطها بمنظومة عسكرية وأيديولوجية سميت بحلف وارسو.

كانت القبضة السوفياتية شديدة الوطأة على تلك الشعوب إلى حد استخدام القوة العسكرية، وتجلى ذلك بوضوح في قمع موسكو لانتفاضة بودابست 1956 وأحداث ربيع براغ 1968، كما تمدد الاتحاد إلى نطاقات أوسع ودعم حركات التحرر ذات التوجه الماركسي في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأصبح سلاحا الكلاشينكوف و«الآر بي جي» رموزا وأدوات لتلك المرحلة في مقاومة الرأسمالية العالمية، وضجت شعارات «يا عمال العالم اتحدوا» كثيراً في عقول الشباب ودغدغت مشاعرهم الجياشة.

حينها.. كان سباق التسلح الذي أشعله الغرب قد نجح في استنزاف موارد الاتحاد السوفياتي وثرواته

ليس هذا كل شيء، فالاتحاد السوفياتي كان يعاني كثيراً من الأزمات الداخلية المتعلقة بسيطرة الحزب الشيوعي وأفكاره البالية على كل مناحي الحياة في الدولة، بحيث حولت حياة المواطن العادي إلى طوابير طويلة للحصول على الخبز وحاجياته المعيشية، وأصابت آلته الصناعية بالشلل وانعدام الكفاءة وضعف التسويق، وحولت الكثير من مصادر الدولة ومداخيلها إلى الانفاق العسكري وبناء ترسانة نووية عملاقة، ووجهت وسائلها الإعلامية لتضليل الرأي العام ونشر الدعاية الكاذبة بلوم الأطراف الخارجية لما يعانيه المواطن من ضنك العيش.

وعانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وهي أعلى جهاز في الدولة، من الشيخوخة السياسية وسيطرة الحرس القديم، وأصبح الرؤساء لا يقضون سوى أشهر معدودة في مناصبهم إما لعامل السن أو لحالتهم الصحية المتردية.

كان منظرو السياسة والفكر في الغرب على يقين من سقوط الاتحاد السوفياتي، فالمسألة ما هي إلا مسألة وقت ويتهاوى النظام الماركسي في الكرملين، فسباق التسلح الذي تم إشعال فتيله من قبل الغرب قد نجح في استنزاف موارد الدولة وثرواتها، وزاد من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وفي محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، تولى الشاب «نسبياً» ميخائيل غورباتشوف مقاليد الحكم في البلاد، حيث أعلن منذ أيامه الأولى ثورته الإصلاحية «البيريسترويكا» لتأهيل مؤسسات الدولة وأنظمتها المهترئة، لكن الوقت وانهيار السوق النفطية في عام 1986 لم يسعفا الرجل كثيراً، وباءت كل محاولات إنقاذ الوضع الاقتصادي والمتهالك أصلاً بالفشل، وعانت المدن الروسية نقصاً حاداً في المواد الغذائية والتموينية، ولم يجد غورباتشوف سبيلاً إلا أن يبعث ببرقية عاجلة ومختصرة لرئيس الوزراء البريطاني جون ميجور حينها تقول: «عزيزي جون: النجدة».