الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ما بعد الأزمة الأوكرانية

مهما كانت نتيجة المغامرة الروسية في أوكرانيا، فإن العالم سيبدو مختلفاً عما كان عليه قبلها، فالغرب لن يتراجع عن سياسة فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا ومحاولات عزلها عن المجتمع الدولي، وسيحاول بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة زعزعة نظام الحكم في موسكو.

لكن في المقابل تبدو المهمة ليست بالسهلة، فروسيا من أهم مزودي الطاقة للقارة الأوربية، وبإمكانها إشهار سلاحي النفط والغاز في مواجهة تلك الضغوطات.. فما هي السيناريوهات المتوقعة لخارطة الصراع بين الطرفين؟

في الثامن من مارس 2022، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن حظراً شاملاً على واردات النفط والغاز الروسية، وتعهدت المملكة المتحدة بالتخلص التدريجي من النفط الروسي بحلول نهاية العام، وفي خطوة غير مسبوقة أعلن الاتحاد الأوربي خفض وارداته من الغاز الروسي بمقدار الثلثين في العام المقبل، والتوقف نهائياً عن شرائه بحلول عام 2030.

تُدرك القيادة الروسية كل العواقب، وتُدرك أيضاً تطلع الكثير إلى نهاية الحقبة الغربية المتعجرفة

في سياق متصل أعلنت ألمانيا في فبراير الماضي إيقاف العمل بمشروع السيل الشمالي 2 لأنابيب الغاز، وتبنت دول الاتحاد عدداً من الاستراتيجيات لوقف اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، فالنفط يبقى المعضلة الأسهل للحل وبالإمكان تأمينه من الأسواق النفطية الأخرى حسب ما يعتقدون، بينما يبقى الغاز معضلة أصعب لدواع لوجستية وتقنية، حيث لا يمكن الاستغناء بين ليلة وضحاها عن شبكات أنابيب الغاز الحالية، ومع ذلك يأمل الأوروبيون تعويضه بالغاز المسال من الولايات المتحدة والجزائر وقطر، ولتدارك أي نقص محتمل قرّر وزراء الطاقة الأوربيين في اجتماعهم الأخير في بروكسل إعادة استخدام محطات الفحم لتوليد الطاقة، كما وجهوا بالإسراع في إنجاز مشاريع الطاقة المتجددة حيز التنفيذ، وزيادة الحوافز الاقتصادية لتشجيع الاستثمارات فيها، ومع كل ذلك يستشعر الأوروبيون الكلفة الباهظة للقطيعة مع روسيا سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً.

على الجانب الآخر، سيواجه الروس أزمة حقيقية في بيع منتجاتهم من النفط والغاز، ونقص كبير في تدفقاتهم المالية، وشلل تام لأنظمتهم المصرفية، فبتوقف الأوروبيون عن شراء المنتجات الروسية، سيتم استبعاد جميع البنوك الروسية من نظام «سويفت» المالي، حينها سيتطلع الروس إلى شركاء تجاريين جدد يقبلون التعامل بالروبل بدلاً عن الدولار، وتشكيل نظام مصرفي مستقل باعتراف دولي، كما سيحتاج الروس لبناء قدراتهم الذاتية في التكنولوجيا ووسائل الاتصال والإعلام، وبناء تطبيقاتهم الخاصة للتواصل مع العالم والالتفاف على محاولات الحصار الغربية.

من الطبيعي أن تُدرك القيادة الروسية كل تلك العواقب ساعة اتخاذها قرار المواجهة، ولكنها تُدرك أيضاً تطلع الكثيرين في هذا العالم لنهاية الحقبة الغربية المتعجرفة.