السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

المشاريع الصغيرة.. ومعضلة التكرار

في جلسة جمعتني برجل أعمال معروف، مشهود له بالذكاء والخبرة، سألته:

ما السبب الأول لفشل الكثير من المشاريع الصغيرة؟

فأجاب، دون تفكير: الدخول في قطاعات متشبعة!
إجابته السريعة والواثقة، أعادت إلى ذهني مشاهد مطاعم البرغر، والمقاهي، ومحلات الزهور، وهي تتزاحم بأعداد كبيرة في نطاقات جغرافية ضيقة، وذات كثافة سكانية قليلة، ولا يفصل بين المشروعين المتماثلين فيها، سوى أمتار قليلة، وأعادت معها سؤالاً طالما فكرت فيه، ولم أعثر له على إجابة:


ما نصيب المشروع الواحد من الزبائن؟


المتعارف عليه في عالم التجارة والاستثمار، أن مقدار الأرباح الذي يحققه أي مشروع يتوقف على عدد الزبائن الذين يترددون عليه، وكلما زاد عددهم تزداد الأرباح، والعكس صحيح، وفي حال زاد عدد المشاريع المتماثلة في منطقة معينة عن الحاجة الفعلية للمقيمين فيها، فإن نصيب كل مشروع من الزبائن يقل، وبالتالي تنخفض الأرباح، ويصبح من العسير جداً تغطية التكاليف، ثم يدخل المشروع في دوامة العجز المتكرر والخسارات الموجعة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إغلاق المشروع، والخروج المبكر من السوق.

الزبون ذكي وقد ينخدع بالشكليات في زيارته الأولى لكنه سيتجاوزها إلى المضمون في زياراته التالية



يرى الكثير من الخبراء الاقتصاديين، خصوصاً من يعملون منهم في مكاتب الاستشارات المالية ودراسات الجدوى، أن الدخول في قطاعات متشبعة هو السبب الأول لفشل المشاريع الصغيرة، وتورط أصحابها – وهم في الغالب من الشباب – في مديونيات ثقيلة، تلقي عليهم بظلالها لسنوات طويلة.

لكن البعض منهم يرى أن الصورة ليست سوداوية بهذا القدر، وأن النجاح في قطاعات متشبعة ممكن، لكن بشرط أن يقدم المشروع الجديد فكرة مبتكرة، تلقى استحسان الزبائن وتجذبهم إليه، وبالتالي يكسب نسبة جيدة من الزبائن تضمن له تغطية تكاليفه الثابتة والمتغيرة نهاية الشهر.

من وجهة نظري، كلا الفريقين على صواب، فالدخول في قطاعات متشبعة أمر غير محبذ في المجمل العام، لكن في الوقت نفسه الخسارة فيها ليست حتمية بأي حال، بمعنى أن هناك احتمالات جيدة للصمود والاستمرار في السوق، لو نجح أصحابها في إضفاء لمسة إبداعية خاصة بهم على المنتجات، سواء كانت سلعاً أو خدمات، وكلما كانت هذه اللمسة ذات قيمة مضافة حقيقية، كانت احتمالات النجاح أكبر، فالزبون ذكي وقد ينخدع بالشكليات في زيارته الأولى، لكنه سيتجاوزها إلى المضمون في زياراته التالية، والتاجر الناجح هو الذي يحافظ على زبائنه، ولا يتعامل معهم على أنهم سياح عابرون.