الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تدمير لبنان.. وعودة الاستعمار

منذ أسابيع قليلة كتبت في هذا المكان أصرخ: لبنان يضيع يا عرب ولم ينطق أحد من العرب، وتركنا لبنان يتلاشى يوماً بعد يوم بشراً ووطناً ودوراً ومكانة. كان الجميع يقف متفرجاً والكوارث تحاصر الوطن الصغير الجريح، وبدا لبنان شجرة غريبة في عمق الصحارى العربية، وإن العالم العربي لم يكن قادراً على تحمل وطن مثل لبنان. إن لبنان بلد للحب ولا يمكن أن يعيش وسط أشباح الكراهية، ولهذا كان من الضروري أن يسقط في المستنقع العربي بكل ما فيه من مظاهر القبح والتخلف، فقد تعرَّض رغم أزماته الكثيرة لأبشع جريمة خراب في تاريخه، إن ما حدث في مرفأ بيروت يتجاوز كل حدود الشر والإجرام والبشاعة، حيث لم يشهد العالم هذا الحجم من الدمار منذ دمرت أمريكا هيروشيما وناغازاكي في اليابان في أول استخدام في التاريخ للسلاح الذري، وإن صورة انفجار بيروت تجاوزت كل ما شاهدنا من جرائم الحروب في كل أرجاء العالم. لقد استخدمت دول العالم أنواعاً جديدة من الأسلحة، ولكن ما حدث في بيروت ليس له شبيه، إن 6 ألاف جريح و158 شهيداً وأكثر من 300 ألف لبناني تشردوا وهذا الكم من البيوت التي تحولت إلى خرائب، وتقدر خسائرها بأكثر من 15 مليار دولار، كل هذا لا يمكن أن يكون انفجاراً عادياً، نحن لسنا أمام انفجار، ولكننا أمام محاولة قتل شعب بالإصرار والترصد. إن انفجار بيروت الذي اهتزت به أركان الوطن حتى وصل إلى قبرص، وامتدت آثاره إلى المدينة كلها، جريمة من الجرائم الكبرى وليس مجرد مواد كيميائية انفجرت، هناك أطراف كثيرة لا تريد لبنان لأن لها أطماع في أرضه، وهناك أطراف تريد التخلص من شعبه وهناك من يريد ثرواته ومن يريد جباله وشواطئه، إن هناك أطرافاً كثيرة لا تريد لبنان المتحضر الواعي القوي، ومن يتابع الخرائط والحدود سوف يعرف من دمَّر بيروت ومن أشعل الحرب الأهلية فيها 16 عاماً. وإذا كانت هناك أطماع في لبنان إلا أنه لا يمكن أبداً أن نبرِّئ السَّاسة وأصحاب القرار والنخبة اللبنانية التي استسلمت للفساد، إن لبنان وطن مسروق تحيط به العصابات واللصوص من أصحاب المصالح وسادة القرار، وكلهم شركاء في كل ما حدث، ولن يكون غريباً أن يكون هناك شركاء من أبناء الوطن في كل ما واجه لبنان من الأزمات والمحن. لن ينقذ لبنان إلا أبناؤه الشرفاء الذين يدركون قيمة هذا الوطن، فمن كان يصدق أن يوقِّع 40 ألف لبناني على وثيقة يطالبون فيها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو يزور بيروت مواسياً، أن يعود الانتداب الفرنسي إلى لبنان مرة أخرى.. إنها دعوة تهز وجدان الملايين، ذلك لأن العرب في آخر المطاف يريدون استعماراً جديداً يعيد للشعوب المغلوبة على أمرها، حريتها وحقوقها، بعد أن فشلت فى أن تنقذ أوطانها.