الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تونس.. مواقف خارجية وبوصلة الداخل

يحضر الخارج في تونس بشكل كثيف في الأيام الأخيرة. يحضر في مواقف دول أوروبية ومنظمات دولية وإقليمية من الحدث التونسي، ويحضر أيضاً في التقاط التونسيين من مساندي الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه، لكل موقف خارجي يقدّرون أنه يخدم هذا الموقف أو ذاك. ويعبّرُ ارتفاع منسوب حضور المواقف الخارجية في تونس عن تقاطعات محلية وإقليمية ودولية في فهم اللحظة التونسية الجديدة، وفي تمثل وجهات سلوك المسار السياسي الجديد.

مفارقةُ أن تونس التي نجحت، موحدة، عام 2011 في تصدير صورة مشرقة عبر ثورتها، ترسل اليوم إلى الخارج صورة يشوبها انقسام شكلاني في قراءة النص الدستوري. على ذلك كانت تقييمات الخارج لحدث 25 يوليو شكلانية أكثر مما كانت جوهرية.

لكن هذه الفكرة، بدورها تعتريها نقاط ضعف كثيرة، فالخارج الذي يرى تونس بوصفها بوابة أفريقيا أمام أوروبا بالمعاني السياسية والثقافية والأمنية، لم يُعِرْ اهتماماً كبيراً في السابق للانتهاكات التي مارسها نظام زين العابدين بن علي، طالما أن هذا النظام كان منضبطاً للانتظارات الأوروبية في قضايا الإرهاب والهجرة، وأوروبا نفسها لم ترفع صوتها كثيراً عندما كانت تونس تُسفّرُ الآلاف من شبابها إلى ميادين الإرهاب في أكثر من خارطة عربية، ولم تنتبه إلى الصداع التونسي إلا عندما ضرب الإرهاب مدنها بأيادٍ تونسية.


تقع تونس اليوم في مفترق طرق غير مسبوق. انقسمت المواقف الدولية في قراءة حدث 25 يوليو، حسب درجة الصلة بالطبقة السياسية التي حكمت طيلة سنوات، وما عزز استيراد صدى المواقف الخارجية من الحدث التونسي إلى تونس، أن الأطراف المعادية لإجراءات قيس سعيّد استنجدت بالخارج، وخلطت بين التعريف بـ«القضية»، وبين طلب التدخل.


هنا تتلاشى الفوارق بين سيادة البلاد من ناحية، وبين صلة البلاد بالعالم من ناحية ثانية، عندما طالب قيادي إخواني الولايات المتحدة بأن تتوقف عن إرسال اللقاحات إلى تونس، فقد كان ينتصر لوجود جماعته في السلطة أكثر من بحثه عن قيم كونية تجمع تونس بواشنطن، وعندما طالب رئيس أسبق فرنسا بأن تفعل كل ما بوسعها من أجل إيقاف «الانقلاب» لم تكن تعنيه مبادئ السيادة والاستقلال.

تصحيح المواقف الخارجية من تونس، لا يتحقق إلا في الداخل، ويكون بمباشرة حكومة نجلاء بودن للقضايا الداخلية الحارقة؛ قضايا الاقتصاد ومكافحة الفساد وأمن المواطن بمختلف أبعاده. هنا يمكن للرئيس أن يقول للخارج مطمئناً: إجراءات 25 يوليو كانت ضرورة فرضتها أوضاع البلاد وها قد تغيرت.