الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تونس.. استرجاع الدولة من الأحزاب

عكسَ حدث 25 يوليو في تونس، موقفاً شعبياً دفيناً من الأحزاب ومن سلوكها في السنوات الأخيرة، فمنذ عقود كثيرة ضاق التونسيون ذرعاً بالسياسة في تطبيقاتها التونسية، وتحول ذلك الضيق إلى عزوف عن الفعاليات السياسية بمختلف أصنافها.

وعاد التونسي إلى السياسة بعد 14 يناير 2011، لكنه سرعان ما اكتشف أن التداخل بين الحزب والدّولة عاد إلى الواجهة، وأصبح القيادي الحزبي الذي يتقلدُ مسؤولية في الدولة، يمكّنُ حزبه من مسؤوليته بل يضعُ الدولة نفسها تحت تصرف الحزب.

وسواء حصل ذلك «التمكينُ» من منطلقات دينية أو نفعية، فإنه أدى إلى يأس المجتمع من قدرة الأحزاب على الإصلاح، ويقينه بكونها عاملا أساسيا في تعميق الأزمة، ولذلك لم يتبرم التونسيون من إهمال الرئيس قيس سعيّد للأحزاب.


واظب سعيّد على الحديث بعبارات تجاهله للأحزاب، وعلى التشديد بأن الحوار الوطني الذي ستوكل إليه مهمة تدبر حلول لأزمات السياسة والاقتصاد في تونس، لن يضمّ من كانوا سببا في صنع الأزمة. ولكن موقف سعيد من الأحزاب وتبرم التونسيين من السياسة في معانيها الغنائمية، لا يمثلان سوى وجه الورقة، في حين أن خلفها يتمثلُ في أن الديمقراطية الحديثة، أياً كان النظام السياسي الذي تتكئ عليه، لا تتحقق سوى بوجود الأحزاب، ولعل موقف سعيد هو بمثابة جملة غير مكتملة، فحين عبر عن رفضه إشراك أحزاب منظومة الحكم السابقة في أي حوار وطني وشدد على أولوية الحوار مع الشباب، فإنه لم يفصح عن نيته إقصاء الأحزاب التي لم تُصب بلوثة الحكم، فضلا عن تلميحه إلى نيته الاعتماد على المنظمات الوطنية التي لم تعارض إجراءات 25 يوليو.


ويبدو أن المشهد السياسي التونسي مقبل على هندسة جديدة، ستتراجع فيها الأحزاب التي نظرت إلى الدولة على أنها غنيمة، وهذا التراجع لم يحصل بقرار رئاسي بل بموقف شعبي تراكمت عوامل تحققه طيلة سنوات، وتُرجِمَ في أرقام المساندة الشعبية لسعيّد.

ولكن ذلك لا ينفي أهمية وجود الأحزاب في بيئة سياسية سوية ونظام سياسي غير هجين، وهو ما يؤكدُ فكرة أن المشكل لا يكمنُ في الأحزاب بل في السياق السياسي الذي تتحركُ فيه، وعلى قيس سعيد أن يدركَ أن الحل يبدأ من إرساء مناخ سياسي لا يسمحُ بإنتاج شبكة مصالح نفعية بين المال والسياسة.