الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

عملة خليجية مشفرة.. ريادة أم انتظار؟

تطرقت الأسبوع الماضي لخلفية العملة الخليجية الموحدة في الجزء الأول من هذا المقال، واستعرضت بإيجاز نشأة الفكرة ورحلة تطورها ومعوقات تنفيذها.

وحتى يتهيأ المناخ اللازم لهذه العملة الموحدة، استحضرت إمكانية تركيز الجهود على عملة خليجية مشفرة، الطرح الذي وردتني بناء عليه أسئلة وتعليقات شفهية ونصية، تلزمني بالإسهاب في الشرح، وجدير بالذكر أن هناك جهوداً مختلفة قد تمت في هذا الباب، أكتفي بتسليط الضوء على اثنين منها.

أولاً، هي الدراسة التي قام بها صندوق النقد العربي منذ زمن، وهي دراسة لعملة رقمية للمصارف المركزية العربية «CBDC»، لاستخداماتها هي والمؤسسات المالية التي تنضوي تحت إشرافها للتسويات فيما بينها.


والثاني هو مشروع العملة المشفرة الإماراتية - السعودية «عابر»، الذي أطلقه المصرفان المركزيان للبلدين سنة 2019، وأتما عدة مراحل فيه كبناء المنصة وتجربتها، ما بين المصرفين ثم ما بين 6 بنوك تجارية في كلا البلدين، ونشر المصرفان التقرير النهائي للتجربة سنة 2020.


لا عبرة هنا من الاسترسال فيما خلصت إليه الدراسة والتقرير السابقين، حيث إن كليهما متاحان للمهتمين عبر مواقع الصندوق والمصرفين المركزيين في الشبكة العنكبوتية.

لكن كما حدث في تجربة ضريبة القيمة المضافة، حين تم تكليف الإمارات من قبل مجلس التعاون للقيام بالدراسة المبدئية للمشروع، قد يكون للجهد الإماراتي - السعودي في مشروع «عابر» حجر أساس للعملة الخليجية المشفرة، إذ إن أكبر تبادل تجاري وحركة مالية في دول المجلس هي ما بين الإمارات والسعودية، وما يصلح لهما مؤكداً سيصلح لباقي الدول الخليجية! وإن ابتعدنا لوهلة عن المنافع التجارية والعملية العديدة للعملة الخليجية المشفرة، فهناك بُعد أمني واستراتيجي لا يمكن إغفاله، إذ كون العملات الخليجية مقَوَّمَة بعملة أجنبية، فغالبية تفصيلات التحويلات النقدية التقليدية ما بين دولنا هي مشاعة للآخرين، وخلق منظومة مدفوعات وتسوية نقدية خاصة بنا وعابرة للحدود فيما بيننا سيكون لها عظيم الأثر في الحفاظ على سرية وأمن بياناتنا.

إن تبني التقنيات الجديدة هو مدخل مهم لمزيد من النمو والإبداع، هي فتوحات نعلم أنها ستحدث لكننا نجهل الشكل الذي ستظهر به، فلولا الإنترنت كمنصة لما كانت بعض كبريات الشركات العالمية اليوم، ولولا الهواتف الذكية كمنصة لما كانت التطبيقات المقدرة قيمتها بمليارات الدولارات اليوم.

العملات الافتراضية الرقمية ستصبح أساساً لمعاملاتنا المالية لا محالة، لذا يمكننا كدول مجلس تعاون أن نأخذ بزمام الأمور وأن نقتنص الريادة تأسيساً على إمكانياتنا، أو أن ننتظر إلى أن ترسى بعض المعايير والمنصات شرقاً أو غرباً، ثم نتبنى ما صنع الغير.

لا يساورني الشك في أننا كخليجيين نميل لخيار الريادة