الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

روسيا.. اقتصاد نحو الذبول !

لا شك أن روسيا هي ثاني أقوى قوة عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية لما ورثته من ترسانة عسكرية ضخمة من الاتحاد السوفييتي، وقد عملت على تطوير هذه القوة تكنولوجياً، مستمرةً في سباق التسلح مع الغرب، ونجحت بأن تكون قوة مهابة رادعة مواجهتها يحسب لها حساب كأحد الدول النووية ذات التفوق العسكري على معظم نظيراتها، إلا أن الاهتمام بهذه القوة العسكرية لم يقابله اهتمام بالمستوى ذاته لتطوير قوتها الاقتصادية وأنظمتها الداخلية ونظامها المؤسساتي وبالتالي تعظيم نفوذها حول العالم، فالنفوذ والصراعات المستقبلية سيتفوق بها مَن يملك أذرعاً اقتصادية متغلغلة تؤثر على قرارات الحكومات وتتحكم بمصائر الشعوب، وهذا ما أدركته الولايات المتحدة مسبقاً وتعمل عليه الصين حالياً.

أمام بوتين أيام لحسم أمره قبل أن يصبح منبوذاً بلا خيارات سوى بتقديم عشرات التنازلات أو التفكك

من نظرة مبسطة، نجد أنه في عام 2000 كان الناتج المحلي الإجمالي لروسيا حوالي 260 مليار دولار، وارتفع إلى 2.2 تريليون دولار في 2013 ثم انخفض إلى 1.5 تريليون دولار مؤخراً حسب إحصاءات البنك الدولي، وهذا يدل على أن إدارة الاقتصاد الروسي لم تكن بتلك الكفاءة رغم تمتع روسيا بمخزون هائل من النفط والغاز والثروات المعدنية كالألمنيوم والبلاتينيوم والذهب، ناهيك عن التجارة الضخمة للسلاح والحبوب، واليوم يتبيّن حجم خطأ هذا الإهمال في مواجهة أخطر تهديد وجودي لكيان الاتحاد الروسي وهي العقوبات الغربية الناتجة عن الخطأ الاستراتيجي الفادح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحربه على أوكرانيا، فقد وضع نفسه بهذه الخطوة في طريق اللاعودة، مراهناً أن يرضى المجتمع الدولي بالأمر الواقع عند إسقاطه حكومة كييف، والذي يبدو أن العالم لن يقبل به حالياً.

يخطئ مَن يقرن قوة روسيا العسكرية بقوة اقتصادها، ويظن أن روسيا يمكنها مجابهة مَن تريد وكيفما تريد دون أن تتأثر

روسيا ليست حتى ضمن العشرة الأوائل الأكبر اقتصاداً، ولا تملك تحالفات ذات ثقل تستند إليها، كما لا يمكن الاستهانة بما تفعله العقوبات التي فرضتها دول تمثل أكثر من 70%؜ من الاقتصاد العالمي، ولا مجال للتغاضي حول تأثير هذه العقوبات على المديين المتوسط والطويل الذي قد يجعل تماسك الاتحاد الروسي محل شك، فالبدائل المزعومة هشة ولا يمكن الرهان عليها، وبالتأكيد فإن الغرب بغض النظر عن ازدواجية تعامله إلا أنه يجدها فرصة كبرى للقضاء على بوتين والتخلص من إزعاج الطموح الروسي ليتفرغ بعدها لمجابهة الصين فيما تبقى من هذا القرن، لذلك أمام بوتين أيام معدودات لحسم أمره قبل أن تصبح روسيا دولة منبوذة بلا خيارات سوى بتقديم عشرات التنازلات أو الذبول والتفكك بعد سنوات ليست بالطويلة !