الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

لُعْبَة الغرْب.. وقطار النِّظام العالمي

في خطاب سياسي دولي، يتمدد اليوم في فضاءات متنوعة، تتصارع فيه القوى والإردات، ضمن تعريف سابق للمنظَّرين السياسيّين، حمل عنوان"لعبة الأمم"، تتم اليوم المجاهرة برفض قيام نظام عالمي جديد، والإبقاء عليه في طور التشكل.

تلك الممانعة أو المماطلة أو حتى التأجيل تتناقض مع الواقع الدولي الراهن، حيث إن حقائق الحرب والسلام، تؤكد دخولنا حقبة جديدة من تاريخنا المعاصر، وتٌقر حقيقة "تعدد القطبية" لقيادة العالم، وتُنذر الدول كلها ـ خاصة الغربية ممثلة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكيةـ بنهاية وشيكة مؤلمة إلى حد بعيد عليها وعلى العالم كله، قد تطول فيها سنوات المواجهة، ما يجعلها حرباً جديدةً في أساليبها وأهدافها.

الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، تدرك الانتقال القهري والإجباري من فرض سيطرة -شبه كاملة- على دول العالم بما فيها الكبرى، إلى ظهور قوى فاعلة جديدة ليس فقط لحماية نفسها، أو تكوين تحالفات، إنما لتقسيم خيرات العالم، والشاهد عن ذلك الوجود الراهن لروسيا والصين وتركيا والهند في مناطق ظلت محتكرة للدول الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وما يتبع هذا من تشكيل تحالفات وتكتلات وتجمعات على أساس اقتصادي.

الدول الغربية تدرك الانتقال القهري من فرض سيطرة كاملة على دول العالم إلى ظهور قوى فاعلة جديدة

والسؤال هنا: لماذا لا تقبل الدول الغربية بالشراكة في قيادة العالم مع القوى الدولية الجديدة التي فرضت نفسها بقوة الاقتصاد وبالتسليح، وبعلاقات سويَّة مع الدول الأخرى، خاصة الفقيرة والمستضعفة؟

قد نجد إحابة السؤال السابق في مواقف الدولية الغربية، القائمة على أمرين، الأول: أحقيتها في قيادة العالم من منطلق أنها صاحبة الفضل في قيام مجتمعات ديمقراطية، ذات اقتصاد حر ورأسمالي، وصاحبة فعل وطرح عميقين يتعلقان بحقوق الإنسان، وعلى خلفية هذا هي حاضنة للبشرية كلها، بدليل أن معظم المهاجرين من دول العالم يلجؤون إليها هرباً من جحيم دولهم.

الأمر الثاني: اعتقادها بطيش وسفاهة الأمم الأخرى في كل مجالات الحياة من جهة، وحمايتها للبشرية من انزلاق يكرس الديكتاتورية على غرار تجارب كثيرة عاشتها البشرية خلال العقود السبعة الماضية.

الرؤية السابقة تحمل وجاهة كبيرة، ومبررات قليلة، ذلك أن الدول الغربية التي تريد إغراق البشرية في مجاعة وفوضى من خلال الصراع مع روسيا، وتشعل الحروب خارج أراضيها، هي اليوم تدفعنا جميعاً ركوب قطار النظام الدولي الجديد، حتى قبل انطلاقه.. نحو عالم تتعالى فيه أصوات السلاح ويتحكم فيه الاقتصاد، وتشن فيه حروب الطاقة، والموارد المائية والغذائية، والمواقع الجيواستراتيجية، بل ويشق طريقه نحو صراع دموي في الفضاء يكاد يكون قريباً.