السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«الكتابة».. مُتْعة تَجَلِّي الغيب

الكتابةُ هي لغة صامتة تأتي ـ في الغالب ـ محمَّلة بمكنونات ذلك المجهول، الذي لا نعرفه.. إنها كشف من الغيب، ولا ندري إن كانت هي بنت اللحظة، أم أنها موجودة منذ الأزل، ولكن هي بالتأكيد أطول عمراً من صاحبها، بل إنها تزيد عمر الآخرين، وتنقِصُ من عمره.

والكتابة لا تكون ذات معنى إلا إذا قُرِئت، بغض النظر عن مستويات فهمها وإدراكها، وإذا حالَ أيُّ سبب دون وصولها للناس فإنها لن تفقد كينونتها، وإنما ستظل كامنةً، عديمة الحركة، قد يأتي عليها حينٌ من الدهر قتصبح شيئاً مذكوراً، إن كانت تعبر عن الإبداع وبعيدة عن الخطاب اللُّغوي للاستهلاك السائد سواء أكان «جَرْحاً» بيننا في الليل والنهار، أو كانت حالة من مدّ علاقات سويَّة لأجل تثبيت قيم الجمال، أو كانت في منطقة وسطى بينهما.

وكون الكتابة من عالم الغيب، فهي ذات صلة بالسماء، أكثر منها التصاقاً بالأرض مع أنها من نتاج البشر، الذين هم بالأساس، خلقوا في نشأتهم الأولى عبر أبينا آدم عليه السلام من الطين، لذلك فمن أصبح كاتباً بالمعنى الإبداعي فقد أُوتِيَ نصيباً من الخير، لأنّه يقربه من الخير الكثير، الذي هو الحكمة.


الحال تلك تخصُّ الكاتب أو هكذا يُفترض، باعتباره جهة إرسال، فماذا عن القارئ، الذي يمثل في مرحلة القراءة الأولى جهة استقبال، ثم يتحول في مرحلة لاحقة إن تأثر بالنص المكتوب وسحبه إلى عالم الغيب، وأغرقه في متعة القراءة إلى مُرْسل، وقد يصل أحياناً إلى درجة رسول حاملاً الفكر البشري، وواصلاً به أو معه إلى ما قبل النهاية الأخيرة، في رحلة عودة إلى عالم الغيب مرة أخرى؟


القارئ للنص، لن يكون متفاعلاً معه، إلا إذا استمتع به، وذلك غدوّه نحو لذَّة مختلفة عن غيرها من ملذَّات أخرى، لأن الأفكار في النص المكتوب قد تكون دخولاً للتاريخ في بعده الزمني أو خروجاً منه، حتى لو قدمت في أجمل شكل، لأننا ـ في حدود فهمي ـ نتأثر بالكتابة كلما أعادتنا إلى عالم الغيب مرّة أخرى.

والغيب هنا بمعنى الحقيقة الوحيدة الثابتة، وإلا ما كانت بعض الكتابات تصمد لأكثر من غيرها، على النحو الذي نراه في الكتابات العابرة للأزمنة والتاريخ، لذلك علينا جميعاً ـ كُتّاباً وقرَّاءً ـ أن نتعامل مع الكتابة الإبداعية باعتبارها تَجّلٍّ للغيب.