كثيراً ما راودني هذا السؤال كفكرة تحمل في جوهرها سؤالاً مرعباً وهو: من سيعرف قيمة أشيائي الخاصة، التي قد لا تلتقي بذائقة أو اهتمام أحد من قريب أو بعيد؟!
راودني ذات الهاجس أثناء استعدادي لانتقالي لبيتنا الجديد، حينما ولجت مخزن البيت العلوي وتعثرت بمكتبة والدي رحمه الله الموسيقية، مكتبة ضخمة من الكاسيتات المنوعة، تضم تسجيلات نادرة بقيت طيّ الصناديق منذ وفاته، وتساءلت: أين سأحتفظ بها في بيتنا الجديد الذي يشكو من صغر حجم مستودعه؟، والسؤال الآخر: هل يحق لي أن أرميها في مكب النفايات، وهناك شبه يقين بأنها قد تلفت بسبب التقادم والتخزين وانعدام التهوية؟
وحتى أرفع عنّي شيئاً من شعور الذنب بحق تلك التركة الموسيقية، وبعد أن تيقنت من أنها قد تحولت إلى أكداس نفايات قابلة لإعادة التدوير، قررت الاحتفاظ بالمغلفات التي تحمل خط والدي المميز رحمه الله والتخلص من البقية؛ التسجيلات الصوتية التي كان يعدّها «نادرة أو خاصة» في زمنه وأصبحت مُتاحة وبجودة عالية على يوتيوب!
كانت هنالك فكرة، تراودني باستمرار وتكثفت خلال سنوات الجائحة والفقد الجماعي والوجع الإنساني الجمعي فتساءلت: تُرى هل عليّ الاحتفاظ بكل أشيائي العزيزة وكأنها إرث لا يورّث، وأنا على يقين بأنه ليس هناك من سيحفل بها من بعدي، لكوني فتاة وحيدة بين 4 ذكور؟!
آهٍ!.. كم تمنيت لو كانت لي أخت صغيرة أو ابنة أوصيها بمقتنياتي الأثيرة؛ إناث على مرمى الروح والقلب والنظر والذائقة والمزاج!؛ مكتنزات بالدفء، تستوقفهن مثلي تفاصيل التفاصيل والبُعد اللامرئي للأشياء!، يتقاطعن معي ذات الاهتمامات والهوايات منها حب القراءة ولوثة الكتابة والفنون التشكيلية والشعر والموسيقى والورد والعطور وخِفة ورهافة نسيج الشيفون والكحل والمسك.. كم تمنيت!.
نظرتُ لصناديق مكتبتي المبعثرة بين كومة صناديق ما عدتُ أذكر محتواها؛ ولكزني قلبي!؛ كأنها تحدّثني معاتِبة: من سيعتني بي من بعدك.. أم سأكون محض نفايات؟!