الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

التنمر والمعاناة المواربة

هنالك اعتقاد شائع وهو أن ظاهرة التنمر شائعة بين طلاب المدارس

وفئة الأطفال والمراهقين فقط، أمّا التنمر الأكثر خطورة فهو التنمر المخفي الموارب العنيف الصامت، الذي يقع ضحاياه تحت وطأته سنوات طوال ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً إزاءه، ليس خوفاً من المتنمر بل لأسباب اجتماعية ولاعتبارات عائلية وسلسلة طويلة من التابوهات الواهية التي قد تجبر الضحية على التزام صمتها.

قد لا يخطر على بال أحدنا أن أستاذة جامعية أو طبيبة أو شخصية اعتبارية اجتماعية مرموقة، قد تكون من بين أولئك الضحايا وهنا المعاناة تأخذ شكلاً وطعماً مراً مختلفاً وعبئاً نفسياً مضاعفاً عمن سواهم من ضحايا التنمر، لأن التحفظ والتكتم على المعاناة والتستر على المتسبب يبقى الخيار الأوحد لتلك الشريحة لكفاية أنفسهم عبء «الفضيحة» أو القيل والقال والحرج الاجتماعي، الذي يمكن أن يطالهم بعد أن ينكشف وضعهم المزري المغاير تماماً لما يظهرون عليه أمام المجتمع!

الكثير من الحالات يرّدها الحياء عن فضح المتنمر وردعه عمّا يقترفه بحقها دون وجه حق

أغلب الإناث اللاتي عانين من سطوة التنمر وممارسة العنف اللفظي أو الجسدي أو العاطفي ضدهن كان المتنمر من فئة الأقارب أو من الحلقة الأولى في الرابط الاجتماعي، كالزوج أو الأخ أو الأب أو الابن ومن ثم تليها الدرجة الثانية، والتي قد يكون المتنمر فيها رئيس العمل أو الزملاء، ومن يليهم في سلّم العلاقات.

المفارقة في هذين الدرجتين أن المتنمر من الدرجة الثانية يمكن مقاضاته أو تقديم شكوى ضده، وفي مجتمع محافظ كالمجتمع الإماراتي الذي تحكمه عادات وأعراف اجتماعية راسخة قد تُثني أي أنثى عن التقدم بالشكوى ضد أي أحد يقع ضمن الدائرة الأولى!

هذه حقيقة لا يمكن إنكارها فالكثير من الحالات يرّدها الحياء عن فضح المتنمر وردعه عمّا يقترفه بحقها دون وجه حق، والذي قد يدفع به للاستمراء أكثر في ممارسة سلطته الذكورية «ضدها»، وخاصة أن معظم الذكور في مجتمعاتنا الشرقية يستخدم معيار «القوامة» في إحكام سطوته على إناثه وهو ليس أهلاً لها!.

فالتنمر المسكوت عنه ذلك الذي تبقى فيه الضحية تدور حول نفسها كالطير المجروح، لا تدري ماذا عساها أن تفعل مع ذلك الكائن «المريض» في مجتمع لن يرحمها ولن يسامحها لمجرد «استغاثتها»!

أبشع صور التنمر حينما يعرف المتنمر نقاط الضعف والقوة في «ضحيته»، ليمارس شتى أشكال الإهانة للضحية ذاتها إلى حد يجعلها تسشتعر حجم التناقض بين وضعها المهني والاجتماعي وحياتها المواربة معه؛ تخوض معركة وجدت نفسها فيها خصماً من حيث لا تدري أو لا تحب في حياة مُهينة خالية من دفء العاطفة أو الاحترام أو حتى الرحمة!