السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

العمر.. نوتة!

ينتاب البعض شعور بأنهم لم يعودا قادرين على الاستيعاب، وكأن أدمغتهم ترفض إضافة أي معلومة جديدة فأغلقت الأبواب، ما ينعكس سلباً على قدراتهم في التعلم أو مزاولة حياتهم اليومية، كما تؤثر فيهم من الداخل شخصياً من حيث الحجم والكمية، وقد يعللون ذلك بأن رؤوسهم مشغولة بالأفكار أو المشكلات أو الإحساس بالمر، في حين يرجع بعضهم السبب إلى مجرد التقدم في العمر، وما يصاحبه من فقدان وانحسار وربما التلف، وبالتأكيد بعض مظاهر النسيان ولا ضير إن قلنا الخرف! ولكن بالطبع كل ذلك غير صحيح على الإطلاق، لأن المخ يحتوي على تريليون خلية عصبية مستعدة للانطلاق، ويستطيع تخزين 65000 معرفة إضافية، وأن يعالج مليوني معلومة في كل ثانية، بالإضافة إلى أن وصلاته تتفرع إلى أكثر من 100 تريليون وصلة، ومن هنا وبكل بساطة نستطيع أن نجد أقوى وأكبر صلة، والتي ستخبرنا بأن تعلم الموسيقى لا يقترن بعمر الإنسان، وإنما بحب الاجتهاد والعمل الدؤوب وروح الفنان، ولذلك ابدأ بالتعلم اليوم بل الآن!

الموسيقار الأمريكي (ميلتون بابيت) ولد في عام 1916 وتوفي سنة 2011 أي حوالي 95 عاماً، كان فيهم ولآخر لحظة من حياته رجلاً يستيقظ ألحاناً وينام أنغاماً، فقد كان عالِماً موسيقياً وعالَماً مستقلاً بلحنه الفريد، يهتف يومياً وطيلة سنوات عمره «هل من جديد؟»، ليثبت أن العمر ليس مجرد رقماً بعيد، وإنما نوتة موسيقية تسعد وتريح وتفيد، وتبحث عن المزيد.

(ميلتون بابيت) ملحنٌ ومعلم ومُنظر موسيقي وأستاذ جامعي ومختص بالرياضيات، يتحدث الإنجليزية ولا يجيد غيرها من اللغات، هو طفل موهوب تعلم عزف الكمان في سن الرابعة، ودرس الكلارنيت والساكسفون قبل أن يعد أصابعه، في المرحلة الثانوية كان يعزف موسيقى الجاز، وعمل في كتابة الأغاني الشعبية واعتبرها أكبر إنجاز، ولكنه كان مصمماً إلى حد كبير أن يكبر ليصبح عالماً في الرياضيات، فالتحق بجامعة بنسيلفانيا في سن 15 قبل أقرانه من الفتية والفتيات، وهناك وجد نفسه منجذباً بتزايد للموسيقى، فانتقل ليدرس التأليف ويجعله طريقه، ولذلك بات مبتكراً لا يسأم ولا يمل ولا يتهاون، ويفضل العمل منفرداً مع أنه كان يحب التعاون، لكن تعقيد موسيقاه في تركيبها تركت جمهوره يعاني الجمود، بينما رآه العالم مثابراً ويحاول الصمود، كتب في إحدى المجلات مقالاً جدلياً تحت عنوان «من يهتم إذا سمعت؟»، يلخص غطرسة وعنجهية بعض المؤلفين ليصبح مقولة مأثورة مع مرور الوقت.