الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

ليس كل ما يكبر.. جميلاً

هناك أمثال شعبية غنية ودقيقة المغزى واضحة المعنى إن تعمقت فيها، من تلك الأمثال: (ما يعلى إلا الدخّان وما تكبر إلا الصنيّة). الدخان معروف وهو كلما علا فليس له شأن، فالأصل هناك في النار المشتعلة أسفله، أما هو فمجرد نتيجة سلبية لتلك النار المشتعلة، أما الصنيّة في اللهجة الإماراتية فهي مكب النفايات والقمامة في المناطق العتيقة، ومن يرتاد الصنية للبحث فيها يسمى «بوالصناني» وهي صفة قبيحة ووصف غير محمود، وكذلك من يقال له ذلك المثل سالف الذكر فهو دنيء، فالصنيّة مهما علت فإنها قذرة نتنة لا خير فيها.

يكثر كبار السن هذه الأيام ذكر ذلك المثل لكثرة ما يشاهدون من اختلال للموازين، سواء الموازين الاجتماعية أو الأخلاقية، واطلاعهم المباشر على علو بعض النماذج غير النافعة في المجتمع ووصولها إلى أماكن لا تستحقها، وكذلك الحال بالنسبة لمن يكبر بالسمعة والقدر والمال ممن لا يستحقون ذلك، لأنهم ينطوون على بواطن سيئة وسيرة مخزية.

السلف من أجدادنا في هذه الأرض الطيبة خبِروا هذه الأرض وعرفوها حق المعرفة، بل إنهم استفادوا كثيراً من سيرة وتجارب أجدادهم الأولين، ونقلوا تلك التجربة بدقة وأمانة إلى الحاضر، هم عرفوا أن بعض النماذج من البشر يجب تحجيمها وعدم إعطائها الفرصة لتعلو، لأن علوها فيه هدم لكثير من المبادئ الصالحة، وكذلك نماذج أخرى من البشر يجب ألا تكبر بجاه أو مال، لأنها ستفسد في الأرض.


جيل الأجداد والآباء يقدّم النصيحة لأنه جيل حريص على الوطن وعلى أهله، ولأن التجارب نالت منه وعصرته الحياة. هم لا يريدون تكرار المعاناة لأبنائهم وأحفادهم، وفي ذلك المقام يكررون مثلاً آخر يقول: (اللي ما يعرف شور من يودّه.. ترا إبليس يلعب به)، وهو مثل بليغ، يُعنى بمن لا يسمع النصيحة من الأقربين ويسعى بخلافها دائماً.


الشاهد أن الانقطاع الثقافي والمعرفي بين الأجيال، والذي حدث في مجتمعاتنا العربية هو الأساس في ذلك المقام، فالجيل الجديد يستقي مثله ومعارفه من الأغراب، بينما جميع سبل استقائها من الأصل تكاد تكون مقطوعة، وأنا أعني ما يخص الثقافة الشعبية ومنظومة الأخلاق الموروثة والعادات والتقاليد، فوسائل تقديمها ليست كما تحب تلك الأجيال.