السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

سيكولوجية الموت

خلال هذا العام الذي يوشك أن يغادرنا، أعترف بأني قضيت ساعات طوال وأنا أشاهد البرامج الحوارية والوثائقية، وأتنقل من لقاء مع فنان إلى سياسي، وأقرأ هوية هذا الكاتب وأسقط في أسوأ المشاعر البدائية مع هذا الفنان المسرحي أو التلفزيوني، وحينما قررت أن أكتب مقالي عن الموت، كنت قد وصلت إلى قناعة كاملة بأن الفنانين أكثر حساسية وشفافية بسبب دخولهم وخروجهم في عدد من الشخصيات، وهذا أمر متعب أن تتخيل أنك شخص آخر، وتحمل في كل فيلم أو مسلسل اسماً وهوية مختلفة.

وجدت أن الفنانين ما أن يصلوا إلى الستين عاماً، حتى يبدؤوا في تذكر الموت والخوف منه، على عكس السياسيين الذين يجدون في الموت بطولة كاملة، مع اختلاف جوهري في كون الفنان لا يريد البطولة الدائمة، هو لا يتعاطف مع مفهوم الغياب ولا النسيان، والخروج من الساحة بسهولة، السياسي نجم وهو يرى نفسه كذلك، ويحب أن يكون كذلك على الدوام، لكنه لا يملك الشفافية العميقة التي يملكها الفنان، ولا يعترف بالهزيمة ولا بأخطائه، ويرى الخلود في الموت على النقيض من الفنان.

لك أن تتصور حينما تقول لك فنانة أو فنان إنه يصور ثلاثة أعمال في يوم واحد، تخيل مدى البشاعة التي يود أن يقولها لك، إنه يعيش أكثر من حياة في 24 ساعة، وعليه أن يكون أكثر قناعة في دور اللص، وأكثر لطفاً وجمالاً في دور الرومانسي، في حين أن السياسي لا يعيش إلا دوراً واحداً، ويجد أن دوره الأكثر تأثيراً رغم أنه لا يكشف لك إلا حقيقة واحدة وهي التي يراها من وجهة نظره، التي لا يستطيع الفنان أن يقدمها، لأنه في الحقيقة يقدم نصاً لم يكتبه وإنما عليه فقط أن يعيشه، حتى يظهر لك مخلصاً في أداء عمله الفني.
العديد من الروايات لم تقدم الموت بصورته الجلية، الغياب الذي يخافه الإنسان، يظهر لك الآخرون دوماً وكأنهم مؤمنين بالموت، وحينما يبدأ قليلاً في التحرك خارج عمر الستين، يبدأ في التعلق في الحياة أكثر مما يجب، يظهر ضعفه وخوفه، أنه لا يريد النسيان فقط، والأمر الآخر أنه بدأ في التعود على المحيط الذي يعيش فيه، ويجد أن في مغادرته للحياة غدراً وألماً، وهو سيكون الشخص الوحيد الذي لربما سينساه الموت، وسيتركه مع أسرته وأصدقائه وأقاربه، وهذا الأمر حقيقي وليس وهماً، المشاعر المضطربة والسيكولوجية نحو الموت، يظن الجميع أنه من الممكن أن يستثنى من مغادرة الحياة