السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

خذني معك!

التقيتها لأول مرة في ميناء المدينة، كنت أقصد المرفأ لأستقل المركب، كان الوقت على وشك الغروب، والسماء تمطر فوق الدروب، وثمة رياح آتية تسعى للهبوب، ورذاذ الأمواج ينتفض ويحاول الهروب، وصل رذاذه إلى نوافذ مقهى زجاجية مغلقة، والجو مختنقاً بعفونة بشرية معلقة، كان الطقس بارداً باحتجاج، وزفير الأنفاس يندي الزجاج، وجموع رجال يحتسون القهوة، يتظاهرون بالثبات والقوة، ضد العاصفة القادمة، لتبقى الحقيقة الصادمة، تنتظر السكينة أن تعود إلى السطح، وربما السكِّينة بغاية الذبح، وهنا سمعت أول نوتة لطمها الموج.

ترعرع الملحن الكويتي الباهر (محمد الرويشد) ضمن عائلة فنية، تتفهم معاني الفن والطرب الأصيل وتتذوق جميع أنواع الجمل اللحنية، ولا تتجاهل الأحاسيس الدافئة والمشاعر الطيبة المليئة بالحنية، وبالتالي كبر الأطفال في هذه العائلة ليحققوا أجمل وأغلى أمنية، فهو شقيق الفنانين «عادل الرويشد» و«عبدالله الرويشد» الذي يعد من نجوم الأغنية، قدم (محمد) العديد من الألحان لكبار الفنانين ومن ضمنهم «عبدالله» شقيقه الأصغر، لنتأكد من أهمية الروابط الأسرية ووثاقها الأقوى والأكبر، حيث ينتمي إلى ما يعرف بـالجيل الثالث من الملحنين الموسيقيين، من أمثال «راشد الخضر» و«أنور عبدالله» الراحلين الكويتيين، كما كان محمد الرويشد أحد المؤسسين للفرقة النسائية للفنون الشعبية، مع السيدة «ماجدة الدوخي» ملكة حب الجمهور النسائي والشعبية، وقد تولى قيادتها موسيقياً بعد أن درب عضواتها بنفسه، لتزداد وتكبر دائرة المحبة المحيطة به وتقوى ثقته في نفسه، هكذا قدمت هؤلاء الفنانات الموسيقيات عدة حفلات غنائية داخل الكويت وخارجها، لتنتشر هذه الدائرة الخاصة بالمحبة الموسيقية في جميع مداخلها ومخارجها، ولذلك يعد كأحد أهم الملحنين في حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بل لا يزال عمله المتميز في زمننا الحالي يسمى بالماضي الحاضر والحاضر الماضي.

عانى (محمد الرويشد) من بعض الأمراض في السنوات الأخيرة من حياته، ونتيجة للفشل الكلوي أعلنوا في 2021 عن وفاته، لتبقى أهم أعماله حية مثل أغنيته الوطنية الشهيرة «نحن الوفا» في عام 1986، وأغنية «خذني معك» التي لاقت انتشاراً واسعاً بصوت أخيه الفنان «عبدالله الرويشد» في عام 1990.