الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الضمير قاعدة واليمين استثناء

يرى البعض بأن لا جدوى من أداء اليمين إذا كان من سيؤديها ليس له ضمير، وأننا نناقض أنفسنا عندما نجبر شخصاً على أداء اليمين لإسناد مهمة له أو لسماع شهادته ونحن نعلم أن اليمين لا تمنع سيّئ النية من استغلال يمينه لتحقيق مآربه الخبيثة.

للضمير تعريفات كثيرة ومنها معقدة وإن كنت أميل إلى أن يكون تعريفه بكلمة واحدة وهي (النزاهة)، فالنزيه يعطي كل شيء حقه وإن كان ذلك الحق يخالف هوى نفسه، أما اليمين فتجعل الحالف يخضع لمراقبة سلطتين: السلطة الأولى متمثلة بالإيمان بوجود قوة عليا قادرة على معاقبة الحالف إن كذب ولو لم يكشفه أحد، أما السلطة الأخرى فهي السلطة القانونية للجهة المنظمة لليمين وما تفرضها من عقوبات دنيوية في حالة إن كان الشخص كاذباً بيمينه.
فلهذا يعزف الكثير عن أداء اليمين إذا كانوا يعتقدون أنهم سينكثونها أو أنهم غير صادقين خشيةً من عقاب السلطتين أو إحداهما، بينما إذا استبعدنا اليمين واكتفينا بالضمير فقط فسنكون سهلنا على سيّئ النية أن يلحق الضرر بالآخرين، وهذا يبين أن خاصية اليمين وإن كانت لا تمنع من استغلالها الاستغلال الخبيث إلا أنها تساهم وبشكل كبير في تقليل نسبة الضرر.

إن الطبيعة البشرية تميل إلى أن تكون الحقائق لديها ملموسة وكلما زادت الضمانات زادت نسب الثقة، فالشخص إذا أدى اليمين فإنه يترك أثراً حسّياً على طالب اليمين سواءً من خلال صوت وصورة الشخص وهو يؤدي اليمين أو حيازة المحلوف له على ما تم كتابته من يمين.
بينما الضمير لا يملك أي تعزيزات خارجية تؤكد وجوده أو ثباته أو استمراره وإنما يخضع لسلوك الشخص الذي يُظهر نزاهته للناس ويمكن أن يكون مخادعاً، ومما لا شك فيه أن وجود اليمين يعزز المصداقية في قول ووعد من يؤديها، أما من يرهن نفسه إلى ضمير الآخرين غير الملموس فإنه يُخضع نفسه لقناعاتهم التي تحددها ضمائرهم وقد تتغير من فترة لأخرى أو تختلف من شخص لآخر.
وبذلك نصل إلى أن الضمير واليمين يدوران في فلكين مختلفين ولا يمكن لأحدهما أن يلغي الآخر أو يحل محله، وأن الضمير كقاعدة عامة يعتبر وعاء للنزاهة، والنزاهة يفترض وجودها في كل إنسان بصورة دائمة ما لم يثبت الواقع عكس ذلك، بينما اليمين استثناء وأهميتها مكتسبة كونها عقد بين المحلوف له والحالف ويتم مراقبتها من سلطتين عليا وأخرى دنيوية.